ثقافة وفن

غياب القطاع الخاص عن الإنتاج يحملنا مسؤولية مضاعفة … مراد شاهين لـ«الوطن»: السينما تحصد نتائج لا تستطيع الدبلوماسية في بعض الأحيان الحصول عليها

| سارة سلامة

لطالما أثبتت السينما أنها واحدة من أهم الفنون وأكثرها تأثيراً في المجتمعات، تعانق خصوصية الشعوب، تشي بصفاتها وعاداتها وتلامس مشاكلها وتبرز نقاط ضعفها، لتكون الواجهة الحقيقة التي نستطيع من خلالها التعرف إلى ثقافات متنوعة. ففي الحروب نرى المشهد السينمائي يتسع ليضم معه أشكالاً مختلفة من الدراما والصدام الإنساني من خلال قصص وحكايات دموية وصراعات أزلية تدور بين الأمم والشعوب والجيوش، ولعل اندلاع الحرب في سورية وامتدادها ودمويتها وقسوتها ساهمت بإطلاق العنان للسينما ومحاكاتها الحرب بقصص ومرويات حقيقية وافتراضية لتكون مرآة ووثيقة تثبت للعالم وللأجيال اللاحقة أن الشعب السوري قاوم واستبسل في الدفاع عن ترابها وأزهق دماء فداء لها.
واليوم تشهد السينما السورية عودة لنخبة من المبدعين بعد غياب طويل، ولكن رغم تنوع العناوين وتعدد الحكايات ما زالت السينما تخطف وتقتل وتعيش حرباً طاحنة مبرحةً في نطاق الحرب. وكذلك تأثير ودور القطاع الخاص الذي يحمّل في غيابه المؤسسة وزر عملية الإنتاج السينمائي كاملة، وشح دور العرض على امتداد الرقعة السورية، ما دفعنا للغوص بميزات ومشكلات السينما السورية وزيارة أهل الاختصاص متحدثين مطولاً مع مدير عام المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين الذي حمل بابتسامته أملاً كبيراً وطموحاً بزيادة الإنتاج السينمائي في العام الواحد وخطط عديدة قيد الدراسة، ورحب بكل من يملك مشروعاً سينمائياً خوض التجربة، مبيناً الدور الجاد الذي يقع على عاتق السينما في إعادة إعمار الفكر والعقل وتقوية الذائقة السينمائية لدى الجمهور السوري وكان هذا الحوار:

تقولون إنكم تقدمون قيمة فكرية، هل تشكل وحدها حاملاً للإنتاج السينمائي؟
المؤسسة العامة للسينما تعنى بالشأن الثقافي بالدرجة الأولى، أي إن الحامل الأساس لأي عمل هو حامل فكري له رسالة أخلاقية وفكرية ومعالجة جدية تلامس واقع المجتمع السوري وهمومه، ولدى كل مخرج طريقة لنقل القصة من الورق المكتوب إلى الشاشة عن طريق السرد الصوري.

هل هناك اتفاق بين الكاتب والمخرج والجهة المنتجة على القيمة الفكرية؟
لا يوجد اتفاق مسبق، لكن الكتّاب والمخرجين العاملين في الحقل السينمائي يعرفون طبيعة الأفلام المنتجة في المؤسسة، والتي يجب أن تحمل في مضمونها رسالة ثقافية معينة، ويدركون تماماً طبيعة القضايا الجادة التي نتعامل معها، وضمن هذا الإطار يتم العمل مع النصوص.

من يحدد القيمة الفكرية؟
العمل نفسه هو من يحدد قيمته الفكرية من خلال المضمون الذي يعالجه والطريقة التي يتناول بها هذا المضمون.

كلاسيكيات السينما السورية والعربية كانت جماهيرية، على حين تفتقد السينما السورية اليوم الجماهيرية لماذا؟
هناك عدة أسباب منها غياب قسم من الجماهير عن العروض السينمائية وأهم الأسباب أننا اليوم في زمن يختلف عن ذلك الزمان في تلك الفترة حيث كان هناك العديد من الصالات السينمائية المتوزعة على كامل مساحة القطر وكانت هذه الصالات تسهم إلى حد كبير في نشر الثقافة السينمائية، والسبب الآخر هو غياب القطاع الخاص الذي يفترض أن يقدم نوعاً من المتعة والتسلية، ويحمل دوراً أساسياً ورديفاً للإنتاج السينمائي في سورية، وهذا الغياب ساهم بشكل كبير في انخفاض كمية الأفلام المنتجة في سورية والتي أدت بدورها إلى إغلاق العديد من صالات العرض، إضافة إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تركت أثرها على الساحة السينمائية.

لماذا نعول كثيراً على القطاع الخاص؟
نعول عليه لأنه كما ذكرنا رديف أساسي لتطوير العملية السينمائية في سورية إضافة إلى أن نوعية الأفلام المنتجة فيه لها أهداف معينة وأهمها: تحقيق المتعة للمتلقي السينمائي، كما أن وجود القطاع الخاص سيخلق مساحة أكبر للمنافسة في الساحة السينمائية.
وهناك مجموعة من الأفلام حققت جماهيرية عالية كان آخرها فيلم (دمشق حلب) وسيعرض تجارياً للمرة الأولى في كل من لبنان وبغداد والأردن والإمارات وقطر والكويت. حيث استطاع الجمع بين الهدف التجاري والمعالجة الجادة للقضايا. وكذلك الأمر في كل من فيلمي (رد القضاء) و(مطر حمص).
ونحن نحاول أحياناً الجمع بين هدفي المتعة والثقافة والمعالجة الجادة للقضايا ولكن لا نستطيع الجمع بين كل العناصر في أفلامنا نظراً للدور المنوط بالمؤسسة العامة للسينما.

هل يمكن أن تكون رؤية المؤسسة في الإنتاج هي الصائبة والرأي العام والنقدي على خطأ؟
المؤسسة عبارة عن إستديو إنتاج تعنى بنوع خاص من الأفلام السينمائية، وغياب القطاع الخاص يترك فراغاً كبيراً في عملية الإنتاج السينمائي، ونتيجة لذلك تتحمل المؤسسة وزر عملية الإنتاج السينمائي كاملة، إلا أننا لا نستطيع الإحاطة بكل الأنواع التي تحاكي الذائقة السينمائية في سورية. إضافة إلى وجود طاقة إنتاجية معينة تتحكم بنا، فنحن لا ندّعي الصوابية في رأينا بمعزل عن الرأي العام وعن رأي النقاد ولكن تحكمنا أهداف يجب أن نحققها من خلال الأفلام التي ننتجها.

متى يمكن أن تقوم المؤسسة بإنتاج أفلام جماهيرية غير مكلفة لتوسيع عدد الأفلام المنتجة؟
الأمر ليس له علاقة بالكلفة بل بطبيعة الأفلام ولا ننسى اليوم أننا نمر بمرحلة حرجة، وأولوية المؤسسة هي الدفاع عن الهوية الثقافية والإرث الحضاري للدولة السورية وتوثيق المرحلة سواء كانت أفلاماً وثائقية أم روائية طويلة لتكون وثيقة للأيام المقبلة وشاهدة على العصر.

متى علينا أن نخرج من موضوع الحرب؟
لا نستطيع الخروج منه لأننا ما زلنا في الحرب. وقد نستطيع أن نعالج بعض الأفلام التي تتناول الحرب على سورية من خلال طرح الكوميديا السوداء وليس بالضرورة أن تكون كل الأفلام سوداوية بشكل مباشر.
عملياً تجاوزنا أصعب سنوات الحرب على سورية، واليوم نشهد منعكسات وارتكاسات هذه الحرب على المجتمع السوري، الأمر الذي يحملنا مسؤولية إضافية بمعالجة ارتكاسات الحرب وآثارها السلبية على المجتمع، والمشاركة في البناء العقلي وإعادة إعمار الفكر من خلال مشاريع نطرحها للأطفال بالدرجة الأولى لنسهم في بناء جيل قادر على الإبداع، والعمل على صقل المواهب من خلال ورشات كتابة السيناريو والإخراج، ونطمح أن نحيط بكل مدارس القطر ولكن هذا المشروع بحاجة إلى تكافل مجموعة من الوزارات.
ولدينا مجموعة من الأفلام تعالج انعكاسات الحرب هي الآن قيد الدراسة، لذلك لا يوجد مدة زمنية للخروج من موضوعات الحرب لأننا ما زلنا نعيش مفرزاتها مع استثناء بعض الأفلام.

تلحظ السينما السورية غياب أسماء كبيرة عنها مثل: «بسام كوسا وعباس النوري…» لماذا؟
المؤسسة العامة للسينما ترحب بجميع المواهب والكوادر الوطنية التي كان لها بصمة في تاريخها أو في تاريخ الدراما السورية وهي منفتحة على الجميع وأكبر مثال شهدناه في العامين السابقين كان مشاركة غسان مسعود ودريد لحام وصباح الجزائري وأيمن زيدان وأسماء أخرى ظهرت مؤخراً في الأفلام السورية هذا أكبر دليل على أن المؤسسة العامة للسينما منفتحة على الجميع وليس لديها موقف مسبق تجاه أحد وخصوصاً القامات الوطنية الفنية التي بقيت في سورية خلال سنوات الحرب.

هل تعاني المؤسسة أزمة كاتب أو مخرج أو جهة إنتاج؟
السينما في سورية تعاني أكثر من مشكلة أولاها غياب القطاع الخاص عن الإنتاج الذي يحمل المؤسسة مسؤولية مضاعفة، وواحدة من المشاكل الأساسية أيضاً غياب دور العرض وعدم توافرها بشكل أفقي على كامل مساحة الأراضي السورية حتى يتمكن الجمهور السوري كله من التعرف عليها، إضافة إلى غياب مؤسسة أكاديمية تعنى بتخريج مواهب خضعت للتأهيل الأكاديمي الأمر الذي له تأثير مباشر على تطوير العملية الإنتاجية السينمائية كماً ونوعاً وفي جميع المجالات.

هل هناك حلول سريعة في الأفق؟
تقدمنا منذ العام 2018 بمشروع له علاقة بلحظ أماكن عرض سينمائية في كل الأماكن التي سيعاد إعمارها. وشكلنا لجنة درست المحافظات والمراكز الكبيرة التابعة لها والتعداد السكاني فيها. لنحدد عدد دور العرض الواجب إنشاؤها، وهي أكبر مشجع للقطاع الخاص الذي يجب أن ينشئ أيضاً دور عرض خاصة به، وكذلك إنشاء نواد سينمائية لاستقطاب الناس وتوعيتهم على الثقافة السينمائية وتقوية الذائقة السينمائية لنساهم في إعادة إعمار النفس البشرية.
هي خطة إستراتيجية أي خلال 20 عاماً يجب أن يكون في سورية 60 صالة عرض إذا تعافينا اقتصادياً وبدأنا بالخطط الاستثمارية. وفي الثقافة لا يوجد شيء نستثمره اليوم ونحصد نتائجه غداً بل يحتاج إلى وقت، وفي العام القادم سنشهد افتتاح داري عرض في كل من حمص وحماة.
وتلقينا ترحيباً وموافقة مباشرة من رئيس مجلس الوزراء على الخطة وتم تعميمها على الجهات المعنية في كل المناطق التي سيعاد إعمارها مثل المولات والفنادق الكبيرة.
وهذا بالإضافة إلى السعي الحثيث الذي قدمه وزير الثقافة محمد الأحمد لإنشاء معهد عال للعلوم السينمائية الذي من شأنه الإسهام في حل معظم المشكلات التي تتعرض لها السينما السورية وحقيقة ما زال المشروع قيد الدراسة، ونأمل جميعنا أن يبصر النور خلال فترة قريبة.

تتهمون بأن الأسماء ذاتها تتكرر؟ كتابة وإخراجاً وتمثيلاً في إنتاجات المؤسسة.. لماذا؟
هذا الاتهام تتعرض له المؤسسة أكثر من مرة وحسب قانون إحداثها وقانونها الصريح يجب عليها أن تعطي فرصاً إخراجية للمخرجين الموظفين فيها فقط. ومنذ فترة كان عددهم لا بأس به، أما اليوم فلدينا مخرجان اثنان في المؤسسة مع هذه الوفرة في الإنتاج وهذا ما ساعد على استقطاب أسماء من خارجها.
ورأينا عودة الأسماء الكلاسيكية في السينما السورية بعد غياب طويل مثل فيلم «دمشق حلب» (دريد لحام، وصباح الجزائري، وكندة حنا) وأفلام أخرى (أمل عرفة، وفادي صبيح، ورنا شميس) و(غسان مسعود) في فيلم (الاعتراف) الذي سيعرض قريباً. وأيضاً سيف سبيعي وسابقاً أحمد إبراهيم أحمد. والآن هناك أسماء جديدة درست خارج القطر وعادت لتأخذ فرصتها بأفلام روائية طويلة.
لكن المؤسسة ستبقى متهمة لأنها الإستديو الوحيد المنتج للسينما في سورية وأفهم رغبة المخرجين والممثلين في العمل السينمائي، وإلى أن نشهد نشاطاً إنتاجياً للقطاع الخاص بحيث يصبح الإنتاج السينمائي يستوعب كل المواهب الموجودة في السوق السورية.

تجربة «بوط كعب عالي» كفيلم تجاري والإيرادات الكبيرة التي حققها، هل تغلبت إيراداته على أفلام المؤسسة؟
الفيلم يحمل متعة وترفيهاً ويعتبر أول تجربة كاملة للقطاع الخاص في سورية ونحن نشجعها، ويبقى الجمهور هو الأساس في الحكم على هذه التجربة. ولكن إذا حللنا الصورة ومكونات اللغة السينمائية وأشياء لا يستطيع الإنسان العادي غير المختص الكشف عنها، نستطيع أن نناقش العديد من الملاحظات وبمحبة كاملة لصناع الفيلم كي يتم تداركها في الأعمال المستقبلية، ولكن هذا حال أي فيلم سينمائي يمكن أن ينتج في أي قطاع، وكما قلت هي تجربة أولى نشجعها ونشد على أيدي من قام بها ونتمنى أن نرى تجارب مستقبلية لهم ولغيرهم من المنتجين.

هل سنشهد بالمرحلة القادمة أفلاماً على خطا هذا الفيلم؟
أعتقد أننا سنلحظ مجموعة كبيرة من الأفلام وسنعمل أكثر من جهة على الإنتاج السينمائي إن كان بهذا الاتجاه أم باتجاهات أخرى.

ما جديد المؤسسة؟
لدينا 5 أفلام روائية سيتم إنتاجها، وعلى صعيد مشروع سينما الشباب، وزدنا الشروط للذين لهم رغبة في تجربة الإخراج السينمائي للارتقاء بمستوى المشروع ويكونون قادرين أكثر على استعمال أدواتهم بالأفلام التي يخرجونها وهناك أفلام قصيرة احترافية.
كما أننا قدمنا اقتراحاً لوزير الثقافة من أجل العمل على زيادة الخطة الإنتاجية، فوافق مشكوراً عليها، ولكن تعلمون أننا جهة قطاع عام فلابد لنا من أخذ موافقة وزارة المالية وتخصيص مبالغ للأفلام الجديدة وهذا سيتم في الشهر السابع عندما يحين موعد مناقشة الميزانية، ولكن أهم ما تتضمنه الخطة الجديدة هي فيلم يسمى الفيلم الأول لمخرجه والفئة المستهدفة من هذا الفيلم هم الشباب الأكاديميون الجدد الذين أنهوا دراستهم السينمائية وعادوا للقطر وخضعوا للعديد من التجارب في المؤسسة العامة للسينما، وأتت فكرة هذاالفيلم من مبدأ واحد ألا وهو أنه حق للمخرجين السينمائيين الأكاديميين الشباب فقط، أي لا يوجد من يأخذ هذه الفرصة منهم، والفرصة تتمحور حول دعم هؤلاء الشباب وخلق مخرجين سينمائيين محترفين جدد بالدرجة الثانية، ولدينا فيلم مخصص للإنتاج المشترك لتشجيع القطاع الخاص على خوض تجربة الإنتاج السينمائي، إضافة إلى إنتاج 7 أو 8 أفلام في العام.
وقريباً سنبدأ بإنتاج فيلم من إخراج نجدة أنزور يتحدث عن الدور الممنهج للعصابات المسلحة والإرهاب الذي ضرب سورية وساهم في تدمير الإرث الحضاري من خلال هدم المناطق الأثرية مثل مدينة تدمر، وجانب من الفيلم يتحدث عن الدكتور خالد الأسعد ودوره الأساسي في حماية هذه المنطقة واستشهاده في سبيل حمايتها.

عرض فيلم (رد القضاء) بالأمم المتحدة، برأيك كم للسينما من دور دبلوماسي يصعب على الدول لعبه؟
السينما هي المرآة التي تعكس روح المجتمعات والهوية الحقيقية لأي مجتمع، وتبرز عاداته وتقاليده ومسيرته التاريخية. والسينما تستطيع أحياناً أن تحصد نتائج لا تستطيع الدبلوماسية ببساطة الحصول عليها، ومن هنا أتت أهمية عرض الفيلم في الأمم المتحدة لإثبات هويتنا. والتأكيد أن ما يحدث في سورية هو إرهاب كامل مدعوم من دول غربية وإقليمية، وأن الدولة السورية ما زالت قائمة وقوية وتقوم بكل واجباتها تجاه المجتمع السوري. ونشكر البعثة السورية التي قامت بهذا التنظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن