قضايا وآراء

الحكومة الإسرائيلية المقبلة ولعبة نتنياهو الانتخابية

| تحسين الحلبي

في كل انتخابات إسرائيلية للبرلمان، الكنيست، تتحكم مجموعة من المصالح الطائفية والفئوية والاقتصادية في توجه أصحاب حق الاقتراع نحو التصويت لهذا الحزب أو ذاك وهذه المصالح تتعرض لتحولات بين دورة انتخابية وأخرى وبنيامين نتنياهو من الذين خبروا في السابق طبيعة الحوافز والعوامل التي تؤثر في جمهور المصوتين نحو المرشحين، ففي عام 1996 خاض نتنياهو كرئيس لحزب الليكود أول انتخابات إسرائيلية فرضت أن يكون رئيس الحكومة منتخباً بشكل مباشر من أغلبية أصحاب حق الاقتراع وليس من الأغلبية البرلمانية كما تجري العادة الآن وتمكن في ذلك العام من الفوز على شمعون بيريس مرشح حزب العمل الذي كان رئيساً للحكومة بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1994 ثم هزمه إيهود باراك مرشح حزب العمل عام 1999 في نفس هذا النوع من الانتخابات فقرر نتنياهو الرحيل إلى أميركا والابتعاد عن الساحة مفضلاً جمع الأموال من محاضرات سياسية يقدمها في المنابر الأميركية السياسية والأكاديمية ووصفته الساحة السياسية الإسرائيلية في ذلك الوقت باليهودي الذي قام بهجرة معاكسة وغادر إسرائيل دون رجعة وهذا ما جعل يائير لابيد رئيس حزب «هناك مستقبل» وهو ثاني حزب بعد الليكود الآن يتهمه أثناء الحملة الانتخابية بالمتخلي عن الهجرة لأنه حين غادر لواشنطن عام 1999 كان لابيد يخدم في الجيش الإسرائيلي كمذيع في إذاعة الجيش.
ويعد نتنياهو صياداً للفرص فهو حين تنافس مع شمعون بيريس عام 1996 وعد في حملته الانتخابية قبل موعد الانتخابات بأسبوع علناً ومن شاشة التلفزيون بالتعهد ببناء الهيكل المزعوم ونال أصواتاً كثيرة من المتدينين اليهود.
ويبدو أنه أراد تكرار هذه الطريقة بشكل منهجي ومحسوب في حملته الانتخابية الراهنة حين طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسبوعين من موعد الانتخابات تقديم اعترافه علناً بضم إسرائيل للجولان ثم وجد أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية لم تدل على زيادة ملحوظة في نسبة المقاعد التي يمكن أن يتغلب فيها على كتلة «أزرق أبيض» المنافسة له، فجاءته قصة الحصول على رفاة الجندي الإسرائيلي زاخاريا باوميل وحاول أن يصنع منها إنجازاً لكنه لم يستفد منها انتخابياً لأن مقتل أكثر من عشرين جندياً على يد الجيش السوري في المعركة التي قتل فيها باوميل وبقية الجنود المفقودين في 11 حزيران 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان أعاد للناخبين رؤية جزء من الثمن الباهظ الذي دفعه الإسرائيليون في هذه الحرب التي انتهت بهزيمة إسرائيل عام 2000.
كانت آخر استطلاعات الرأي في 5 نيسان الجاري أشارت إلى احتمال فوز نتنياهو بمقاعد بين 26 إلى 28 من 120 مقعداً وإلى احتمال فوز الكتلة المنافسة «أزرق أبيض» بين 28 إلى 30 مقعداً.
في النهاية وجد نتنياهو أن آخر ورقة يلعب بها لضمان فوزه بأغلبية على الكتلة المنافسة له هي الإعلان عن الاستعداد لضم مستوطنات الضفة الغربية تمهيداً لضم الضفة الغربية كلها وقدم للناخبين هذا التعهد قبل يومين من موعد الانتخابات قائلاً: إنه تحدث مع ترامب وسوف يجري ضم جميع المستوطنات لسيادة إسرائيلية بمجرد فوزه وبهذه الورقة يريد الحصول على أكبر عدد من أصوات المستوطنين الذين بلغ عددهم في الضفة الغربية 800 ألف تقريباً.
يبدو أن الخيارات المحتملة للنتائج ولتشكيل الحكومة ستظهر على شكل تتقارب فيها فرص كل طرف منهما بحسب قدرة كل منهما على تجنيد مقاعد كثيرة من الأحزاب الأخرى التي يمكن أن تتقارب معه.
فالليكود يعتقد أن معظم الأحزاب اليمينية التقليدية أو المتطرفة ستشكل رصيداً له في مقاعدها لأنها تعبر عن سياسة متقاربة مع سياسته تتيح له تشكيل حكومة ائتلافية تجمع أكثر من ستين مقعداً ومع ذلك من الممكن لحزب «أزرق أبيض» جذب بعض هذه الأحزاب إذا قدم لها مكاسب حزبية وامتيازات مغرية لأن الخلاف السياسي بين مختلف هذه الأحزاب يعود لأسباب تكتيكية وليس إستراتيجية وكل حزب قادر على تبرير مشاركته مع أحد الحزبين بعد انتهاء الانتخابات بشكل خاص لكن حزب الليكود سيجد أحزاباً يمينية قابلة للمشاركة معه بعدد يزيد على ثلاثين مقعداً وهذا يتيح له تشكيل ائتلاف معها، على حين لا يجد حزب «أزرق أبيض» سوى عدد أقل من الأحزاب المتقاربة معه لا تزيد عن 25 مقعداً مثل حزب العمل وحزب ميريتس وبعض أحزاب قابلة أن تنضم إلى أي منهما وإذا وصل كل حزب منهما إلى طريق مسدود فقد يجد أنه مجبر على تشكيل حكومة مشتركة من الحزبين يتناوب رئيس كل حزب مع الآخر في رئاستها بعد ضم مقاعد حزب واحد لها للحصول على أغلبية برلمانية وهذا ما لم يحدث إلا مرة واحدة في تاريخ الحكومات وذلك عام 1984 بين حزب العمل والليكود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن