الأولى

النفط

| تييري ميسان

لعله من غير المستحسن، وفقاً لـعقيدة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تخفيض الإنتاج العالمي من المواد الهيدروكربونية إلى مستوى الطلب من خلال حصص الإنتاج التي أقرتها منظمة الدول المصدرة للنفط منذ عامين، بل عن طريق إغلاق السوق أمام بعض المصدرين الكبار مثل إيران، وفنزويلا، وسورية، التي اكتُشفت احتياطياتها الضخمة مؤخراً ولم يتم استغلالها بعد، مما يعني خروج مشروع قانون «نوبك» من أرشيف المحفوظات إلى العلن من جديد.
في الواقع، يهدف مشروع القانون هذا، والذي تعرض للعديد من المتغيرات منذ عرضه على الكونغرس قبل عقدين من الزمن، إلى رفع الحصانة السيادية التي تتذرع بها دول منظمة أوبك لتشكيل تكتل احتكاري، على الرغم من قوانين مكافحة الاحتكار الأميركية، كما سيسمح بمقاضاة جميع شركات نفط الدول الأعضاء في أوبك، أمام المحاكم الأميركية، على الرغم من تأميمها، نظراً لاستغلالها لموقعها المهيمن، وبالتالي المساهمة في زيادة الأسعار.
لا تنوي الولايات المتحدة تثبيت العرض العالمي فحسب، بل أيضاً ضبط تدفقات النفط، وبالتالي قيام واشنطن بالضغط على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، لصرف النظر عن إنجاز خط أنابيب «نورث ستريم2».
كل ما يهم الولايات المتحدة هو تحرير الاتحاد الأوروبي من اعتماده على مصادر الطاقة الروسية، وفي حالة تكللت هذه التدخلات الأميركية بالنجاح، فستجد روسيا نفسها مضطرة لتحويل هذا التدفق نحو الصين، لكن الأخيرة لن تستطيع الشراء بأسعار الأوروبيين نفسها.
فضلاً عن ذلك، تقوم وزارة الخزانة الأميركية بحظر جميع وسائل نقل النفط الإيراني أو الفنزويلي إلى سورية، وتُظهر البيانات المتوفرة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بدأت بمراقبة تفاصيل هذه التجارة منذ انتخاب دونالد ترامب، بما في ذلك خلال الفترة الانتقالية، والتي تؤكد فكرة مركزية الطاقة في سياسته.
يظل موقف البيت الأبيض تجاه سورية مختلفاً نوعاً ما، نظراً لأن هذا البلد غير قادر على استغلال احتياطياته الهيدركربونية في الوقت الحالي، ويكتفي بمنع أي محاولة لإعادة إعمار البلد، واعتماد وكالة الاستخبارات المركزية إستراتيجية حازمة لتخريب أي وسيلة من شأنها تزويد سورية بالطاقة، وهذا ما حصل فعلاً إثر تدمير ناقلة نفط تركية تحمل النفط الإيراني إلى سورية قبالة شواطئ اللاذقية في شهر شباط الفائت، مما تسبب في مصرع جميع أفراد طاقمها، وتشكل أمواج سوداء هائلة في البحر الأبيض المتوسط.
وبالنظر إلى أن حزب اللـه يشارك الآن في الحكومة اللبنانية، خدمة للمصالح الإيرانية حسب الادعاءات الأميركية، فقد عمدت الإدارة الأميركية إلى ضم بيروت إلى نطاق حظرها على تصدير النفط.
يحاول مايك بومبيو، بمقتضى ذلك، فرض تقسيم جديد للمياه الإقليمية، من شأنه وضع احتياطيات النفط اللبنانية تحت السيادة الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، تعطي فنزويلا النفط لكوبا مقابل تقديم الأخيرة لخبراء عسكريين وأطباء، لهذا، تحاول وزارة الخارجية الأميركية معاقبة أي تبادل بين البلدين، خاصة أن الخبراء العسكريين الكوبيين، يعتبرون مسؤولين عن الدعم الذي يقدمه الجيش الفنزويلي إلى الرئيس نيكولاس مادورو.
لن تسمح الولايات المتحدة بتصدير النفط من إيران، وفنزويلا، وسورية قبل عام 2023 أو 2024، أي حين يبدأ إنتاج الصخر الزيتي بالتراجع سريعاً، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن