ثقافة وفن

كان وجوده في أي عمل يضفي عليه لوناً من البهجة والأمل … محمود الجندي.. عاش فترة تمرد وغرور وغليان فكري وعاد عن ذلك بعد موت زوجته بحريق

| وائل العدس

من ينظر إلى اختلاف تعبيرات وجهه وملامحه بعد تقدمه في العمر عن تلك الملامح المرحة الباسمة فترة شبابه يدرك أن أشياء كثيرة تغيرت، وأحداثاً عظيمة وقعت، فغيرت تلك الملامح ونحتت عليها أنهاراً من الحزن ومنحتها كثيراً من العمق والحكمة.. هكذا كانت ملامح الفنان الراحل، فإذا نظرت إلى وجهه وابتساماته وضحكاته فترة شبابه حين كان يؤدي أدوار الشاب المرح المسؤول أو المستهتر تتعجب من حجم التغير الذي أصاب تلك الملامح بعد تقدم العمر وكأن صاحبها لم يبتسم من قبل ولا يعرف سوى الأحزان.
إذاً، أعلنت نقابة المهن التمثيلية المصرية صبيحة 11 نيسان الحالي، عن رحيل الممثل محمود حسين الجندي، أحد نجوم السينما العربية عن عمر ناهز 74 عاماً إثر وعكة صحية لم تدم أكثر من عشرة أيام، وتم تشييع جثمانه في مسقط رأسه في مدينة البحيرة، تاركاً إرثاً فنياً غنياً في مجالات السينما والمسرح والدراما العربية، وكان الجمهور متعاطفاً معه ومهتما بحياته الشخصية، وخاصة بعد وفاة زوجته الأولى في حريق اندلع بمنزله.
أجاد الفنان الراحل في كل ما قدم من أعمال، سواء في أدوار الشاب أو الشيخ، الشر أو الخير، التراجيديا أو الكوميديا، ووقف إلى جوار الكبار والعمالقة كتفاً بكتف في مبارزات فنية خرج منها فائزاً بمحبة الجماهير العريضة.

حياته الشخصية
لم تكن حياته في بداياتها سهلة على الإطلاق، فقد درس في مدرسة الصنايع وتخرج من قسم النسيج، ليعمل لاحقاً في أحد معامل النسيج في البلاد.
ثم التحق بالمعهد العالي للسينما وتخرج فيه عام 1967، لكنه لم يبدأ بالعمل الفني مباشرة بسبب ظروف حرب 1967 وظل في صفوف القوات المسلحة مدة سبع سنوات في سلاح الطيران.
وبعد أن انتهت الحرب، عاد إلى مهنته التي كان يتطلع إليها «التمثيل»، كما كان يشتهر بصوته العذب، وكثيراً ما قدم مشاهد غنائية من خلال أدواره المختلفة.
تزوّج المرة الأولى من ضحى حسن، وأنجب منها 3 أطفال بنتين وولد اسمه أحمد الجندي يعمل مخرجاً، واستمر الزواج حتى توفيت زوجته إثر حريق في المنزل في عام 2001.
تزوّج للمرة الثانية من سيدة وأنجب منها «مريم»، وكانت تصغره سناً وقد تعاطف معها نظراً لظروفها قائلاً إن الإنسان يحتاج إلى التغيير بطبعه لكي يحسن ويعدل مسار حياته، فحدث الزواج وأنجب منها ابنته.
كما تزوج للمرة الثالثة من الممثلة المصرية ​عبلة كامل​ في عام 2003 ولكنهما انفصلا.
ثم تزوج بعد ذلك للمرة الرابعة من ابنة الممثل جمال إسماعيل، وهي السيدة «هيام».
مسيرته الفنية

بدأ المسيرة بأدوار الشاب المرح المقبل على الحياة وكان وجوده في أي عمل يضفي عليه لوناً من البهجة والأمل، وبدأ حياته الفنية من خلال المسرح، حيث أكسبته خفة ظله وبشاشة ملامحه وجمال صوته في أداء المواويل قبولاً خاصا لدى الجمهور، وربما لا يعرف الكثيرون أن الجندي شارك في مسرحية «مدرسة المشاغبين» في الدور الذي قام به أحمد زكي بعد انتهاء فترة تجنيده. وكانت بداية صعود نجمه في عام 1979، عندما مثل في مسرحية «إنها حقاً عائلة محترمة» مع الفنان فؤاد المهندس ومن ثم «دموع في عيون وقحة» مع النجم عادل إمام.
وألحقها بظهور قوي في مسلسل «الشهد والدموع» الذي مثل فيه دوري الأب والابن.
وفي عام 1990، أصدر ألبوماً غنائياً باسم «فنان فقير»، إلا أنه لم يستثمر في ذلك المجال بل وظف موهبته التمثيلية لإنتاج المزيد من المسلسلات والمسرحيات والأعمال السينمائية.
في عام 2017، صدم جمهوره عندما قرر الاعتزال بعد أن شعر بأن الأجواء في الوسط الفني لا تحترم الفن والفنانين حسبما قال في إحدى مقابلاته في ذلك الوقت، بعد عرض مسلسله «رمضان كريم»، فتدخلت نقابة الممثلين عن طريق النقيب أشرف زكي، الذي أقنع الجندي بالعودة مرة أخرى.

أعماله
شارك في أكثر من 100 عمل سينمائي، ومن أبرزها «الفريسة» و«التوت والنبوت» ومدام «شلاطة» و«البنات والمجهول» و«الطوفان» و«جبابرة الميناء» و«نقولك ولا تزعلش» و«عنئوب الدم» و«الأقدار الدامية» و«حدوتة مصرية» و«المغنواتي» و«الكلمة الأخيرة» و«شفيقة ومتولي» و«اللص المحترم» و«المعلق الرياضي».
ومن بعض أفلامه في التسعينيات، «كلاب المدينة» و«كرت أحمر» و«درب العوالم» و«جدعان الحلمية» و«المليونير الصعلوك» و«تحقيق مع مواطنة» و«صراع الحسناوات» و«أولاد ضرغام» و«طريق الشيطان» و«الطبيب شريف» وغيرها الكثير من الأفلام.
ولم يتوقف عن العمل أبداً، فأبدع في العديد من الأفلام السينمائية في السنوات العشر الأخيرة منها «الطيارة» و«هروب اضطراري» و«القرد بيتكلم» و«الهرم الرابع» و«القواد» و«كلب بلدي» و«خادم المسجد» و«ساعة ونص» و«عصافير النيل» و«على جنب يا أسطى» وغيرها من الأفلام التي ترك فيها بصمته المميزة.
وشارك الجندي في الكثير من المسرحيات منها «بحبك يا مجرم» و«ست الحسن» و«المليم بأربعة» و«زواج البنات» و«عصفور عقله طار» و«علشان خاطر عيونك» و«افتح المحضر» و«البرنسيسة» و«إنها حقًا عائلة محترمة» و«مدرسة المشاغبين» و«محدش يقدر عليهم» و«الرعب اللذيذ» وغيرها من المسرحيات التي لاقت صدى في العالم العربي.
أما مشاركاته في العمل الدرامي، فتجاوز 200 مسلسل، بدءاً من سبعينيات القرن الماضي وانتهاء بالعام الحالي الذي انتهى من تصوير مسلسل «حكايتي» الذي سيعرض في موسم رمضان المقبل.
ومن أبرز المسلسلات التي شارك فيها «الحب أقوى» و«أبو القاسم الطنبوري وإخوانه» و«عيش أيامك» و«عيب يا دكتور» و«حسنين مدندش» و«أبو العلا» و«قلوب حائرة» و«أنا وزوجتي والنصاب» و«زيزينيا» و«هارون الرشيد» و«افتح قلبك» و«الحسن البصري» و«الظاهر بيبرس» و«الدالي» و«في أيد أمينة» و«مذكرات سيئة السمعة» و«الشوارع الخلفية» و«الخواجة عبد القادر» و«زواج بالإكراه» و«الجماعة» وغيرها الكثير.
لم يترك الفنان العاشق لفنه مجالاً فنياً إلا وأبدع فيه حتى إنه شارك في بطولة فوازير رمضان «عالم ورق» و«ألف ليلة وليلة»، ومسلسل الأطفال الشهير «بوجي وطمطم»، كما غنى في العديد من الأعمال التي قدمها.

محطات مهمة
يمر الإنسان بفترات مضطربة في حياته يبدأ فيها التشكيك في كل شيء حوله، وتبدأ نظرته للمعتقدات والثوابت تتغير وخاصة إذ مر بظروف اجتماعية قاسية، فإنه سرعان ما يعود إلى رشده بعد سنوات من التمرد على كل ما هو سائد. ربما تقودنا هذه السطور إلى الحديث عن الفترة الأصعب في حياة الراحل، إذ توجد محطات مهمة في حياته بعيداً عن الأضواء وكاميرات السينما والتلفزيون، تلك المتعلقة بحياته الخاصة، وأبرزها رحلته من الإلحاد إلى الإيمان، وسبق أن قال في لقاءات سابقة، إنه: عاش فترة تمرد وغرور وغليان فكري خلال مرحلة شبابه، وإن هذه الفترة كانت مرحلة البحث عن الذات، وبها شبه غرور بأن كل حاجة أنا اللي بعملها بمجهوداتي، ولحظة الغرور خلتني أتجه إلى فترة تمرد، وأن مكتبته كانت مليئة في هذه الفترة بكتب تحفز على الإلحاد.
وقال في لقاءاته السابقة، إن عودته جاءت بعد وفاة زوجته الأولى ضحى حسن عام 2001 إثر اندلاع حريق في منزلهما، والتي سبقها وفاة مصطفى متولي، مضيفاً: «الحادثتان خلوني أشوف أن الدنيا مش مستمرة وسألت نفسي أنا عملت إيه وأنا ماشي صح ولا غلط، لكن مش الحادثة بس اللي خلتني أرجع للإيمان، وأنا بطفي في الحريق بصيت على مكتبتي لقيت الكتب والجرايد اللي كتبت عني وكل شغلي بيولع، لكن الجزء اللي فيه الكتب الإلحادية كانت بتولع بشكل فيه تحدي وأدركت أنها رسالة من ربنا، وهنا قلت أنا راض باللي ربنا يكتبه».
«من يكرمه اللـه يجند له من يرشده إلى الطريق الصحيح»، هكذا لخص خلاصة تجربته من الشك إلى اليقين، ونادى بضرورة وجود خطوط حمراء وسقف واضح أمام الفنان لا يجب تجاوزه بدعوى حرية الإبداع والرأي مثل مناقشة حرية الجسد والإلحاد وغير ذلك من المحرمات الأخلاقية والدينية.

رثاء إلكتروني
فراس إبراهيم: «توفي محمود الجندي وهو حزين بعد أن عانى من التجاهل والنكران الذي عبّر عنه أكثر من مرة.. البقاء لله.. ولكن.. لو أن مئات الأصحاب والأحباب الذين تسابقوا للتعبير عن حزنهم لغيابه اهتموا به في حياته ربع اهتمامهم بخبر غيابه لمات هذا الرجل الطيب وهو راض وسعيد.. ما زال بينكم العديد من أشباه محمود فلا تترددوا في إسعادهم ولو بكلمة طيبة أو اتصال.. دمتم بخير».
رغداء هاشم: «الفنان محمود الجندي، ربي يرحمك قديش كنا نحبك».
أحمد زاهر: «مع السلامة يا حبيبي هاتوحشنا أوي يا راجل يا طيب يا فنان يا عظيم، عمري ما أنسى إنك أول واحد ساعدتني في أول عمرة ليا وزقتني بنفسك عشان ألمس الكعبة، وكنت دليلي طول العمرة، ربنا يرحمك ويغفرلك ويجعل مثواك الجنة بإذن الله».
​شريهان​: «‏‏‏‏‏‎‏وداعاً يا حبيب عروسة البحور، وداعاً يا حبيب رزة، وداعاً يا ويا ويا وياااه».
محمد صلاح: «خالص العزاء في وفاة الفنان محمود الجندي ربنا يرحمه ويغفر له».
هيفاء وهبي: «إن غيبك الموت فلن تغيب أعمالك الفنية ستظل شاهدة على تاريخك الكبير وخالدة في ذاكرتنا وداعا»ً.
أحمد حلمي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارحمه واغفر له وأدخله فسيح جناتك، وداعاً أستاذ محمود».
​أحمد السقا​: «إلى روحك الطبية كل السلام».
​محمد هنيدي​: «رحمة اللـه عليك يا غالي، اللهم تنزل عليه برحماتك وأسكنه فسيح جناتك يا كريم يا رب».
إسعاد يونس: «‏‏‏‏‏‎‏وداعاً الصديق الحبيب الغالي في أمان اللـه يا صاحبي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن