قضايا وآراء

ما يحركه الاعتداء الإسرائيلي

| مازن بلال

تملك «إسرائيل» صياغة عسكرية تبني عليها آلية الاعتداء على سورية، ورغم أن التصريح عن نوعية المواقع التي تستهدفها يطرح الكثير من الأسئلة، لكن المؤكد أن أهداف الاعتداء تحمل أبعاداً سياسية أكثر من كونها شكلاً عسكرياً معلناً، أو حتى تأكيداً على قدرتها في انتهاك الأجواء السورية بشكل يوحي بـ«التفوق» على القانون الدولي، فمهما كانت أهمية المواقع التي تقصفها إلا أنها تحاول إقرار قاعدة سياسية بأن أمنها يتم تحديده بمجال جديد.
عملياً فإن الأبعاد السياسية لما تريده «إسرائيل» تحدده رؤيتها لدول الجوار، فرغم أن سورية ومنذ عام 1973 لم تخض حرباً مباشرة مع «إسرائيل»، لكنها كانت قادرة على منعها من تشكيل حالة إقليمية محددة، أو السماح لها بإعادة تركيب المنطقة بشكل سياسي يخدم مصالحها في المطلق، فـ«المجال السياسي الإسرائيلي» رغم معاهدات كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو بقي مقيداً بالمعادلة السورية إن صح التعبير، بينما تحاول اليوم صياغة اشتباك جديد مع سورية وفرض شكل من «الهيمنة الإقليمية».
وما يمكن فهمه من «الهيمنة الإقليمية» هو عدم السماح بظهور «كتلة مضادة» سياسية ثقافية، تمنع «إسرائيل» من بناء تحالفات على مستوى الشرق الأوسط عموماً، فتشتيت قضايا المنطقة الذي يبدو فعالاً وقادراً على خلق تدخل دولي قوي في معظم دول الجوار الجغرافي لـ«إسرائيل»؛ أتاح إستراتيجية مختلفة يمكن عبرها تغيير مفهوم «الدولة الوطنية» التي سادت منذ مراحل الاستقلال، وكانت العنصر الأساسي في مواجهة «إسرائيل» ورسمت التصورات السياسية تجاه فلسطين رغم الهزائم العسكرية كافة.
في المواجهة السورية اليوم خلل في الميزان العسكري، وهو أمر ليس جديداً في الصراع المستمر منذ عام 1948، والعوامل الإضافية تبدو مسائل سياسية وثقافية بالدرجة الأولى، فالمواجهة مع «إسرائيل» وفرض قوة رادعة على مستوى صيانة السيادة هي مسألة «تنمية» للواقع السياسي الاجتماعي وليست مواقف سياسية، وترتبط بأمرين أساسيين:
– الأول كسر كلاسيكية موقع التنمية الذي يوحي بتقنيات محددة فرضها خلل الميزان الدولي، فهي ليست قواعد يتم إسقاطها على جغرافيتنا بل ديناميكية تغيير اجتماعي سلس، وتنمية المواجهة مع «إسرائيل» أو مع تركيا التي تنتهك السيادة السورية وهذا أمر علينا التفكير به من جديد.
التوافقات السورية لا تبنيها المواقف بل يمكن «تنميتها» بالتركيز على المصالح التي يفرضها الواقع الحالي، وما تفرضه هذه المصالح من شكل سياسي هدفه صيانة وجود المجتمع وارتقاؤه، وهذه التوافقات هي أساس المواجهة التي مهما بدت آلياتها عسكرية لكنها في العمق فكرية ومعرفية، فالاستحقاق الذي نواجهه مبني أساساً على معرفتنا لاحتياجات تطوير وجودنا، وصياغة تنمية بمفهوم لا يملك قوالب جاهزة تفرضها قواعد السوق الدولية.
– الثاني إدراك أن القواعد الدولية التي تحكم الأزمة السورية حالياً لم يعد بالإمكان تغييرها بفعل خارجي فقط، فالرهان على التوافقات الدولية أمر خطير، والعامل الداخلي مهما بدا ضعيفاً فهو الذي يستطيع تحويل مسار الأزمة السورية.
عند كل اعتداء «إسرائيلي» تظهر حيوية التفكير بالعامل الداخلي السوري، وبالمجال السياسي الذي تريد «إسرائيل» فرضه عبر خلق اعتياد على انتهاك السيادة، فالمعاناة السورية في كل التفاصيل يمكن أن تصبح دافعاً لكسر حدود الواقع المفروض، سواء عبر الحصار أم تهميش الدور الذاتي لسورية في إنهاء أزمتها، وفي هذه المساحة السياسية الضيقة إقليمياً فإن «تنمية» التوافقات الداخلية ستصبح حالة ترجيح لمسار الأزمة، ولأفق الحل السياسي المرهون حالياً بمصالح لا علاقة لها بأي بعد سوري، لأنها محكومة بتوازن لا يريد لظهور «معادلة سورية» مستجدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن