يتخلى الآباء والأمهات العرب عن دورهم في تربية الطفل.. ويلقون بتهمة تغيير الأخلاقيات والسلوكيات على ألعاب الفيديو التي تتضمن العنف، وأفلام الكارتون، وأفلام السينما والفيس بوك، وكأن المطلوب أن نترك أطفالنا ينشؤون وحدهم دونما رعاية أو توجيه أو تربية.
لم يعد الأب مستعداً، حتى في العطلة الصيفية، ليقضي بعض الوقت مع أولاده، يستمع إلى أفكارهم، يناقشهم ويحاورهم، يثني على آرائهم السديدة ويصحح ما يحتاج إلى تصحيح، حجته في ذلك أن إيقاع الحياة لم يعد يسمح باستقطاع جزء بسيط من ليل أو نهار لمصلحة الأبناء، وهكذا اتسعت الهوة بين الناشئة وولي الأمر حتى بات المراهقون مثلاً لا يشعرون بالارتياح إذا ما حاول الآباء والأمهات معرفة أسرارهم، ولا يبوحون بها إلا للأصدقاء، أياً كانت الآراء المؤيدة لوقف عرض أو تسويق الألعاب التي تتميز بالعنف أو المعارضة حتى لمجرد فرض رقابة عليها، فإن واقعنا العربي لم يتغير، ولم يكف الغيورون على مستقبل الطفل عن الشكوى من الأخطاء المحدقة به والمتوقعة، لكن الرؤية الموضوعية تقتضي الاستشهاد بالرأي الآخر الذي يطلب إجراء دراسة ميدانية على الأطفال العرب الذين يشاهدون هذه الألعاب ومعدلات المشاهدة، ونسبة التغييرات السلوكية والأضرار الصحية والنفسية التي تنتج عن الألعاب الخطرة.
الرؤية الموضوعية تقتضي القول: إن العنف في حياة الطفل سابق على انتشار ألعاب الفيديو وأنه من السذاجة والتبسيط المخل الادعاء بأن لعبة «الفيديو الجيم» مع ما تتضمنه من عنف تدفع الأطفال لارتكاب أعمال العنف، إذاً أين الوالدان اللذان يجب أن يراقبا أبناءهما ويلاحظا أي أعراض سلوكية غير مرغوب فيها ليعالجاها فوراً؟ بل إن الإحصاءات الميدانية في الغرب أشارت إلى أن 99.9 بالمئة من هواة ألعاب العنف لم يمارسوها حقيقة ولم يتصرفوا تصرفات مشابهة لها، ويبقى 2.1 بالمئة هم السبب في تلك الضجة التي دفعت الناس للمطالبة بمنع هذه الألعاب، وهذه الفئة القليلة جداً من الأطفال الذين يمارسون العنف بحاجة إلى معالجة نفسية حقيقية، أولى بنا أن نلقي نظرة على أشكال العنف التي يمارسها بعضهم في الحياة اليومية مثل العنف الرياضي أو العنف لأسباب سياسية أو دينية (كما نشاهد في أرض فلسطين المحتلة) أو العنف في الأعمال السينمائية، وأولى بنا أن نسأل مرتكبي جرائم القتل في المدارس الأميركية مثلاً عن دوافعهم كتلاميذ صغار لقتل زملائهم؟ أولى بنا أن نوضح لأطفالنا، لماذا يقتل اليهود أطفال فلسطين بدم بارد، ويقتلون الشباب والمسنين، ويؤذون النساء؟ لنشرح لهم أن العنف حقيقي وليس لعبة تبثها الفضائيات ليل نهار، وما دام العنف منتشراً لأسباب حقيقية قبل انتشار ألعاب الكمبيوتر فلن يختفي إذا سحبنا هذه الألعاب من الأسواق.
وأخيراً يمكننا القول كنا نصنع لعبنا بأيدينا ونتفنن في تطويرها، كنا نتحلق حول جداتنا ونستمع بحكاياتهن الطريفة والمثيرة والشائقة وأحياناً المخيفة، كنا نصنع لعبنا بأيدينا بل نبتكر فيها ونخضعها للتطوير والإضافة والتعديل، لذلك كان مجال الخيال وتحريك ماكينته بأيدينا كبيراً، لكن أبناءنا غير ذلك، لأننا سمحنا بذلك، ولأننا استجبنا للتخلي عن دورنا كآباء وأمهات بسهولة فإننا نأنس لشراء اللعب مهما كانت خطورتها لأبنائنا من دون النظر إلى التأثيرات السلبية والضارة لهذه الألعاب على أبنائنا، التي وصلت إلى حد إصابتهم البدنية والصحية والسلوكية، أما الأسواق العربية فهي متخمة بلعب الأطفال الملوثة للبيئة والضارة بالصحة ولعب تنقل الأمراض وتسبب السرطان، ولعب الليزر التي تسبب العمى، ولعب إلكترونية تصيب بالصرع، والفيس بوك يخرب عقول الأطفال ويفكك الأسر العربية فكرياً واجتماعياً، ومن هنا فقد أصبح سلوك الأطفال سلوكاً استهلاكياً بسبب عدم تقدير الطفل وأسرته للقيمة الحقيقية لألعابه، وذلك يرجع إلى أسلوب التربية الخاطئ في بيوتنا وأسرتنا العربية.