من دفتر الوطن

حمى المساواة

| زياد حيدر

منذ أيام احتفل العالم بقسمه الأعظم، بإنجاز علمي وبصري كبير، تمثل بالتقاط الصورة الأولى في التاريخ لظاهرة الثقب الأسود الفلكية، التي إلى جانب قيمتها العلمية الكبيرة باعتبارها خرقاً للنظرية القائلة باستحالة التقاط صورة لها، احتفى بها كثر من المهووسين بشؤون الفضاء، ولاسيما أن خيال الكتاب العلميين طالما استند لهذه الظاهرة الغامضة لتهيئ إمكانية سفر الإنسان عبر العوالم، أو بين الأزمنة مستندين لتفسير نظرية العالم ألبرت آينشتاين بطرق درامية تخدم الآفاق المفتوحة لقصصهم.
ولكن إلى جانب كل هذا، ظهر جانب إضافي لهذا الاكتشاف، يعكس هوسا من هوس عالمنا الحالي، تمثل بنشر صورة الباحثة الفلكية كاتي بومان باعتبارها مسؤولة عن هذا الإنجاز التاريخي، ولاسيما كما كتبت إحدى الناشطات النسائيات في الولايات المتحدة «باعتبارنا ندين لها بأول صورة للثقب الأسود» لتحصد ما يزيد على ثلاثمئة ألف إعجاب، منتقدة بطريقها عدم احتفاء الإعلام بهذا الإسهام النسوي في مجال العلوم الفلكية.
وبالطبع انتشرت صورة الفتاة بعد ذلك بسرعة هائلة، فتبنتها الجمعيات النسائية، ومنصات الإنترنت، موجهة لوما أكبر لهذا الإهمال الإعلامي في تقدير الباحثة، التي كانت حصدت نحو مئة إعجاب فقط بعد ساعة من إعلانها عبر منصتها للتواصل الاجتماعي عن «عدم تصديقها لما تقوم به من إعداد أول صورة للثقب الأسود يتم بناؤها».
وبعد يومين من الانتشار الواسع لصورها، مضطرة بسببه لإغلاق هاتفها بوجه المتصلين خرجت لتعلن أنها رغم فخرها بالإنجاز العلمي الذي كانت جزءاً منه، فإن هذا العمل شاركت به مجموعة من العلماء تتألف من 200 شخص، هم من أعلى الكفاءات العلمية في العالم، وأنه على الرغم أن ثمة أربعين امرأة باحثة بينهم، فإن جهود الجميع كانت متساوية بهذا الإنجاز التاريخي، وذلك بما فيها جهود العلماء الشبان الذين كان عليهم السفر مراراً للقطب الجنوبي لتفقد معلومات مرصد موجود هناك.
واعتمد العلماء على جمع صور وبيانات مراصد فلكية في الولايات المتحدة، والمكسيك وتشيلي وإسبانيا والقطب الجنوبي، وفرنسا وغرينلاند، وصنعت كلها تلسكوباً افتراضياً بحجم الأرض نفسه تقريباً، سمح بجمع بيانات الصورة التي تم إعدادها لتظهر لنا في حالتها الأخيرة.
الحديث عن هذه الصورة، يشبه الحديث عن قضايا كثيرة مشابهة، يبحث فيها الجمهور عن بطل، يعلق عليه كل آماله، ويبني عليه قضيته، أو يجعله رمزاً لها، خصوصاً حين تكون الصورة لامرأة، أو طفل، وفي قضيتنا السورية شاهدنا هذا المثال مرة تلو المرة، مستخدماً كوسيلة وكسلاح، ملقىً في وجه جمهور يبحث عن مبرر أو مشجب أو حجة يبني عليها.
الصور كثيرة، لا تنتهي بصورة كاتي بومان العفوية، ولن تنتهي بفيديوهات المرأة السودانية آلاء صلاح.
والواقع، وهذه وجهة نظر شخصية، أن حمى نصرة المرأة، تؤذي مكانتها أحياناً أكثر مما تخدمها.
والسابق مثال، وثمة آخر في الذهن لناشطة عربية نالت نوبل، طلبت الوسيلة الإعلامية التي قادت حملتها لأسباب سياسية طبعاً، من الإعلامي الذي سيحاورها ألا يقسو عليها بالأسئلة «لسذاجتها» وهو ما اعترف به المحاور على الهواء.
كاتب شهير رد بإيجاز حين سئل عن تنوع شخصياته النسائية بين ثائرات، وساحرات، وملكات، وعاهرات، وأمهات.. بأن أبسط ما يقال هو «أن النساء أناس وبشر حقيقيون، وهم بذلك كالرجال تماماً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن