قضايا وآراء

مؤشرات انقلاب روسي أميركي على أردوغان

| مازن جبور

محاصرة النظام التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان بات أمراً واضحاً بعد مجموعة الخلافات الروسية التركية والأميركية التركية بخصوص سورية، إضافة إلى نتائج الانتخابات المحلية التركية وما أعطته من مؤشر إلى بدء مرحلة تراجع النظام التركي، ومن ثم يمكن اعتبار أن حقبة استمالة أردوغان من روسيا وأميركا في سورية، قد انتهت واستعيض عنها بتوافق روسي أميركي في ملفات عدة منها الملف السوري، الأمر الذي سيقود إلى سياسات تصعيدية ضد النظام التركي في المرحل المقبلة.
سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي ظهرت الأسبوع الفائت، تترك مدلولات حول إعادة بناء التوافقات الروسية الأميركية في القضايا الخلافية الكبرى البارزة على المستوى الدولي الأمر الذي يبدو أنه انعكس على الملف السوري والمنطقة، بدأت تلك السلسلة من المؤشرات مع إصدار وزير العدل الأميركي ملخصاً لتقرير المحقق الخاص روبرت مولر الذي تولى التحقيق في مزاعم بشأن وجود علاقات بين حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين روس أثناء فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية، وبرأ ملخص التقرير ترامب من التآمر مع روسيا في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2016، وهذه البراءة أعطت ترامب حرية التواصل مع موسكو وهو ما قد يفسر التوافقات التي تبعت هذا القرار.
المؤشر الدولي الآخر هو تصاعد المنافسة الأميركية الصينية على الساحة الدولية عموماً ويبدو أن هذا التنافس بدأ ينتقل إلى الساحة السورية، مع ملاحظة دور صيني فاعل ومباشر في الملف السوري الاقتصادي على وجه الخصوص، وهو ما ظهر من خلال زيارة وفد من دائرة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني إلى سورية تبعها زيارة لمساعد وزير الخارجية الصيني، ومن ثم لقاء السفير الصيني في دمشق مع وزير النقل السوري والحديث عن تعاون اقتصادي سوري صيني، وسط أنباء عن رغبة صينية في إقامة مدينة صناعية بحرية في سورية ومرفأ خاص بها، وهذا يرتبط بالصراع الخفي القديم المتجدد بين واشنطن وبكين وسعي كل منهما إلى جذب روسيا إلى جانبها في مواجهة الآخر.
بالترافق مع ما سبق ظهر تحول في الموقف الروسي والأميركي من التعاطي مع النظام التركي ومحاولة جذبه من كل من موسكو وواشنطن في الساحة السورية، فعلى عكس ما اعتدنا خلال سنوات الحرب على سورية فإنه خلال الأسبوع الفائت وبالتوازي مع تراشق بين أنقرة وواشنطن بخصوص بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي صدر عقب لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في واشنطن مع نظيره الأميركي مايك بومبيو والذي ورد فيه: إن بومبيو حذّر نظيره التركي من «التداعيات المدمّرة المحتملة لأي عمل عسكري تركي أحادي الجانب» في سورية، في إشارة إلى تهديدات النظام التركي ضد «قسد» في شرق الفرات، لترد أنقرة بأن البيان «لا يقصّر فقط في عكس حقيقة مضمون اللقاء، بل يتضمّن أيضاً موضوعات لم يجر التطرّق إليها»، غير أن بومبيو سارع إلى القول: «لقد قرأت نصّ البيان وأنا متمسّك بكلّ كلمة وردت فيه»، أي أن هناك إصراراً أميركياً على تبني موقف جديد من سورية.
على صعيد متصل طفى خلاف روسي تركي في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان عقب لقاء جمعهما الأسبوع الفائت في موسكو، إذ أكد الأول للثاني، أن «من غير المقبول تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ، والمهم سلامة أراضي البلاد»، وهو ما يبدو أنه إجابة مباشرة على طرح تركي قدمه أردوغان لبوتين في الاجتماع المغلق، دعا فيه إلى سياسة أمر واقع وإقامة مناطق نفوذ في سورية تتناسب مع وضع السيطرة الحالي في شمالي البلاد مقابل وقوف تركيا إلى جانب روسيا وسورية في ملف شرق الفرات.
تبع الخلافات التركية الروسية الخلافات التركية الأميركية حول الملف السوري، ما يمكن القول إنه توافقات روسية أميركية في الملف السوري، بدأت مع الدعم الأميركي لرئيس الوزراء الإسرائيلي في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، الذي ترافق مع دعم روسي في قضية جثة زخاريا باومل، ولعل التوافق الأميركي الروسي المقابل هو بدء تفكيك مخيم الركبان بالترافق مع حديث عن إعادة افتتاح معبر «التنف الوليد» تحت الأعين الأميركية باعتبار أن قوات واشنطن الاحتلالية هي التي تسيطر على منطقة المعبر، وأخيراً ما تردد من أنباء عن العودة إلى العمل بمذكرة «عدم الاحتكاك» في الأجواء السورية بالترافق مع تحذيرات أوروبية لتركيا من القيام بعمل عسكري بشكل انفرادي شرق الفرات.
نلاحظ مما سبق أن حقبة استمالة أردوغان من روسيا وأميركا بشأن الملف السوري، قد انتهت واستعيض عنها بتوافق روسي أميركي في ملفات دولية عدة ومنها الساحة السورية، وهذا الحصار الخارجي للنظام التركي، أتى لاحقاً لانتكاسة داخلية كشفت عنها نتائج الانتخابات المحلية التركية، ما جعل النظام التركي بوضع المحاصر، إلا أن هذا لا يعني أن المحاولات التركية ستنتهي هنا، بل إن أردوغان سيستعمل أوراقه الإرهابية في شرقي البلاد وشماليها، كما أنه بعد هذا الحصار أصبح أكثر استعداداً لعملية عسكرية شرقي البلاد على تخوم جرابلس وباتجاه عين العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن