إعادة افتتاح متحف الطب والعلوم عند العرب … معاون وزير الثقافة: مقتنيات مهمة ومنوعة تدل على عراقة الإرث السوري التاريخي والحضاري
| وائل العدس- تصوير طارق السعدوني
ضمن فعاليات مهرجان دمشق الثقافي، أعادت المديرية العامة للآثار والمتاحف افتتاح متحف الطب والعلوم عند العرب بعد إغلاقه لست سنوات جراء الحرب الإرهابية على سورية، وخاصة القذائف الإرهابية التي كانت تطول أحياء دمشق.
وشدد معاون وزير الثقافة توفيق الإمام على أهمية افتتاح هذا المتحف لما فيه من مقتنيات مهمة ومنوعة تعود لقرون عدة وحقب تاريخية متنوعة تدل على عراقة الإرث السوري التاريخي والحضاري، مؤكداً حرص وزارة الثقافة على إعادة افتتاح جميع المتاحف السورية التي توقفت خلال فترة الحرب الإرهابية على سورية.
بدوره قال مدير المديرية العامة للآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود: نعيد افتتاح هذا المتحف ليتاح للجمهور السوري وللسياح الاطلاع على الثقافة السورية وإرثها الغني، وهذا المتحف يحتوي عدة قاعات للطب والصيدلة والأعشاب وغيرها حيث تظهر عطاء التاريخ السوري ومساهمته في إعلاء شأن الحضارة الإنسانية منذ القدم وحتى الآن.
أمينة متحف الطب والعلوم ورود إبراهيم قالت إن هذا المبنى يعود للقرن الثاني عشر الميلادي حيث عادت إليه القطع من خلال فريق سوري ممتاز لنعرّف الجميع على أولى مدارس الطب في التاريخ التي كانت تعالج الأمراض الجسدية والنفسية وتعالج أيضاً بالموسيقا، ناهيك عن روعة هذا المكان الدمشقي الذي يوفر للجالس فيه الطمأنينة والسكينة ما يسهم في علاج المريض بشكل أفضل.
أقسام المتحف
ويتألف المتحف من عدة قاعات ومدخل مزين بالمقرنصات يفضي إلى باحة سماوية تتوزع حولها أحواض مزروعة بالأشجار والورد والنباتات الطبية التي كانت تستخدم في المعالجة والمداواة من الأمراض.
وتحول البيمارستان النوري سنة 1979 إلى متحف للطب والعلوم عند العرب حيث يشاهد الزائر والسائح عبر قاعاته المتعددة مدى تطور تقنيات المعالجة والطب والعلوم التي توصل إليها السوريون منذ القدم ليكون حافزاً للإبداع للأجيال القادمة.
ويضم المتحف أربع قاعات رئيسية وهي قاعة العلوم التي يعرض فيها أهم الأدوات العربية واللوحات الفنية التي تذكر بتطور العلوم عند السوريين، وقاعة الصيدلة حيث يعرض فيها نماذج تمثل الأدوات والأجهزة التي كان يقوم العلماء بواسطتها بمزج ودق وتركيب الأدوية المستخرجة من الأعشاب الطبية، وقاعة الطب التي تحتوي على مخطوطات ولوحات ورسوم طبية ونماذج لأدوات جراحية مأخوذة من كتاب الزهراوي، إضافة إلى مقتنيات لها علاقة بالطب الروحي وأدوات لها علاقة بالشراب والغذاء.
وتضم القاعة الرابعة الطيور والحيوانات المحنطة تعليمية أكثر منها أثرية، إذ تحتوي على نماذج حديثة لطيور وحيوانات متنوعة محنطة، وهذا يشير إلى اهتمام العرب بعلم الحيوان وفن البيطرة.
كما يحتوي على مكتبة تضم مجموعة من الكتب العلمية والطبية والصيدلانية والمؤلفات والمجلات والدراسات التي تبحث في التراث العربي الإسلامي في مختلف النواحي، حيث تفنن أطباء البيمارستان في أساليب معالجة المرضى حتى اهتدوا إلى العلاج بالموسيقا حيث كانت الأجواء الموسيقية تروح عن المرضى وتلهيهم عن آلامهم، إضافة إلى إحضار القصاصين إلى قاعات المرضى لرواية القصص والحكايات لهم كما كان المؤذنون ينشدون قبل الفجر بساعتين أنغاماً شجية على المآذن لتخفيف العناء عن المرضى القلقين.
ويحتوي البيمارستان الذي يعد مثلاً حياً للتقدم العلمي والحضاري للسوريين على تسع غرف متسقة جنباً إلى جنب حول البحرة كانت تستخدم لتعليم الطب والصيدلة ومعالجة المرضى من أشهر أطباء العرب الذين عملوا ودرسوا فيه منهم علاء الدين أبو الحسن وعلي بن أبي الحزم القرشي ابن النفيس وأبو المجد بن أبي الحكم ومهذب الدين النقاش ورضي الدين الرحبي وابن المطران وابن حمدان الجرائحي ومهذب الدين عبد الرحيم بن علي وعماد الدين الدنيسري وموفق الدين أبو العباس المعروف بابن أبي أصيبعة.
وذكرت المراجع الطبية التاريخية أن البيمارستان كان يشتمل على أقسام الأمراض الباطنية والجراحة والعيون والتجبير والأمراض النفسية والعقلية، لكل منها أطباؤها المتخصصون إضافة إلى العيادات الخارجية وقسم الصيدلة الذي كان يعد فيه المتخصصون الأدوية من النباتات.
في التاريخ
يقع البيمارستان النوري في دمشق القديمة إلى الجنوب الغربي من الجامع الأموي في منطقة الحريقة ويعكس في كل جانب منه فنون العمارة السورية والإسلامية في الإيوانات والصحون والبحرة والزخارف والرسوم والمقرنصات على القبة والأبواب القديمة ويمثل نموذجاً لفن العمارة السلجوقية.
ويعود تاريخ بنائه الذي شيده نور الدين محمود الزنكي إلى عام 549 هجري 1154 ميلادي وهو أول جامعة ومستشفى عربي تدريسي حيث كان يتم فيه علاج جميع الأمراض مجاناً وبالطرق الحديثة وخاصة بالموسيقا التي عاد الطب إلى استخدامها حالياً لشفاء العديد من الأمراض.
وتشير المصادر إلى أن البيمارستان كان يمثل القصور الملكية بترفه، ووسائل الراحة المتوافرة فيه، وأنواع الطعام الفاخر التي كانت تقدم للمرضى والمصابين، كما أن العلاج كان مجاناً للأغنياء والفقراء سواء بسواء، من دون أن يكلف المرضى درهماً واحداً، بل كانوا يمنحون لدى خروجهم من المستشفى ثياباً ونقوداً تكفيهم للعيش من دون أن يضطروا للعمل.
وتروي المراجع أن اختيار أماكن البيمارستانات كان يتم باختيار أفضلها موقعاً في الأماكن المرتفعة أو قرب مصادر المياه وتتوافر فيها شروط الصحة والجمال كما كان يتم الاختيار منذ أيام أبو بكر الرازي بوضع قطع من اللحم في أنحاء مختلفة مختارة وانتظارها أربع وعشرين ساعة وانتقاء المكان الذي ظل فيه اللحم أقل سوءاً.
وكان البيمارستان يوفر لمرضاه الراحة والرفاهية وأنواع الطعام الفاخر حتى إن بعض الناس كانوا يتمارضون للإقامة فيه والتنعم بما يقدم للمرضى حتى إن المشرفين كانوا يتغاضون عنهم.
واستمر البيمارستان بعمله كأول جامعة طبية في الشرق حتى أواخر القرن التاسع عشر حيث تحول بعدها إلى مدرسة للإناث ثم إلى ثانوية تجارية وأخيراً إلى متحف.
ومازال المتحف يحتفظ بالكثير من عناصره المعمارية والزخرفية والكتابية وتتوزع في قاعاته النماذج والأدوات التي كانت تستخدم في المعالجة والجراحة والأدوات الصيدلانية ومجسمات لطرق الفحص السريري ومجسمات وصور لأهم الأطباء الذين عملوا فيه ولآلية استقبال المرضى إضافة إلى مجموعة من الأدوات الفلكية العربية التي تبين دور العرب في تطور علم الفلك.
وتعكس الوثائق والرسوم والكتب طرق المعالجة التي لا تقل عن طرق اليوم أصولاً وأن العرب هم أول من أسسوا للمنهج العلمي وعناصره الأساسية.