قضايا وآراء

استنتاجات مركز هيرتسيليا المحبطة لإسرائيل

| تحسين الحلبي

في الثامن من شهر شباط الماضي أشارت صحيفة «هآريتس» إلى أن التحالف السوري الإيراني الروسي ما زال أحد أهم الركائز السياسية والعسكرية التي عملت أطرافها في السنوات الثماني الماضية في مختلف الميادين لحماية سورية.
ومع ذلك من الطبيعي أن تدرك هذه الأطراف الثلاثة هذه الحقيقة أكثر من أي تحليل إسرائيلي أو أميركي لأن واشنطن لم تستطع خلال نفس هذه السنوات الثماني إيجاد محور يوازن في قدرته هذا المحور السوري الإيراني بمشاركة حزب اللـه المدعوم من روسيا وبقيت تعتمد بشكل مركزي على الوظيفة الإسرائيلية في مواجهته كما لم تستطع برغم الخطط التي تنشرها إدارة ترامب إنشاء «حلف ناتو عربي» برعايتها لتحقيق مثل هذا الحلف.
مركز هيرتسيليا الإسرائيلي للدراسات والتخطيط الإستراتيجي عقد في 14 شباط الماضي ندوة بمشاركة بعض مراكز الأبحاث الأميركية لاستشراف مستقبل المنطقة من وجهة النظر الإسرائيلية والأميركية نشر بعدها استنتاجاته التي جاء فيها:
1- إن روسيا ستتمسك بمصلحتها في بقاء الوجود الإيراني الداعم لسورية وفوق أراضيها وهذا ما يفرض على إسرائيل مواجهته بالطرق المناسبة.
2- إسرائيل لا يمكن لها أن تسمح لنفسها بتطوير أي عمل عسكري فوق الأراضي السورية إلى صدام عسكري مع موسكو.
3- واشنطن تخشى من أن تقوم إسرائيل بتوريطها في صدام عسكري لا ترغب به مع موسكو ولذلك تصر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن تتجنب إسرائيل أي عمل يؤدي إلى صدام روسي إسرائيلي، أو روسي أميركي إسرائيلي لأن سورية وإيران تشكلان مع حزب اللـه قدرة عسكرية يمكن أن تدفع المنطقة إلى ما هو أكبر من حرب إقليمية.
4- التسليم بوجود محور معادٍ لإسرائيل من سورية وإيران وحزب اللـه على الأراضي السورية ولا يمكن تجاهل قدراته.
وقال رئيس القسم الإستراتيجي سابقاً في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد: إن إسرائيل تواجه الآن في عام 2019 أربع جبهات حرب لم تستطع تخفيض قدراتها وهي: جنوب لبنان، وجبهة حدود الجولان مع سورية، وجبهة إيران التي تستطيع إطلاق صواريخ من أراضيها في أي حرب شاملة مقبلة ضد إسرائيل، وجبهة الأراضي المحتلة.
لكن هذه التصورات الإسرائيلية الأميركية لم تمنع ترامب ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من التصعيد ضد سورية وإيران وروسيا في الأسابيع الماضية، فقد أعلن ترامب قراراً غير مسبوق بتاريخ كل الرؤساء الأميركيين اعترف فيه بضم إسرائيل للجولان متحدياً كل دول العالم وليس سورية وإيران وروسيا وحدهم، وشدد أشكال الحصار على سورية وإيران معا، وتحدى بهذا الحصار روسيا ودورها في هذا الصراع، وأشار مدير معهد كينان الأميركي للأبحاث ماثيو روجانسكي الذي شارك في الندوة أن إدارة ترامب تنظر إلى الدور الروسي بمنظار عالمي وهي لا تستطيع إلا الإقرار بوجوده العسكري المتعاظم في سورية وفي إيجاد الحلفاء، وتعرف أن ذلك يؤثر سلباً على إسرائيل لكنها تعمل ضمن سياسة شاملة تهدف إلى حلول تؤدي لتحقيق مصالح مختلف الفرقاء في سورية بما يضمن مصالح إسرائيل كما لا ترغب هي ورسيا بصدام عسكري في هذه المنطقة أو غيرها.
ومع ذلك هل تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها وحدها في المنطقة؟ لقد حاولت إسرائيل منذ عدوان تموز 2006 على جنوب لبنان وهزيمتها العسكرية الميدانية فيه، منع استمرار وجود قوة حزب اللـه وأسلحته في الجنوب وشنت غارات فوق الأراضي السورية منذ عام 2011 بحجة منع زيادة قدرات حزب اللـه العسكرية، ولكنها لم تنجح البتة في تحقيق هذه الغاية خلال كل هذه السنوات، واعترف قادة إسرائيل في الجيش والحكومة قبل غيرهم بأن قدرة حزب اللـه العسكرية ازدادت عشرات الأضعاف في الصواريخ وفي المعدات العسكرية وفي الخبرات القتالية، وتعزز تحالفها مع سورية إلى أكبر حد، ولذلك لن يكون بمقدورها أن تنجح أيضاً في منع تزايد قدرات الجيش العربي السوري بحجة الوجود الإيراني، ولا في منع تعزيز التحالف القائم بين الحزب وإيران وما تقدمه من دعم عسكري له.
لا أحد يجب أن يشك بأن تحالف هذه الأطراف مع موسكو، أصبح يشكل قاعدة إستراتيجية تحسب لها الولايات المتحدة كل الحسابات في المنطقة فما بالك بما تحسبه إسرائيل؟!
فقد شكل صمود سورية ودعم حلفائها لها طوال السنوات الثماني الماضية وانتصارها، أكثر المواضيع على جدول عمل إسرائيل ومعظم مراكز أبحاثها العسكرية والإستراتيجية، وأجمع الكل من دون أي مواربة أن هذا التحالف يشكل ضربة موجعة لإسرائيل وإستراتيجيتها تجاه سورية والمنطقة وبرغم كل الاجتماعات التي عقدها نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال السنتين الماضيتين، لم يحدث أي تغير في جدول عمل هذه الجبهة الواحدة لهذا التحالف، ولم يتوقف الجيش العربي السوري للحظة واحدة عن التصدي للصواريخ التي تطلقها إسرائيل على سورية بحجة الوجود العسكري الإيراني، كما لم تستطع إسرائيل منع استمرار الدعم الإيراني والروسي لسورية.
إذا كانت إسرائيل في الجبهة الإعلامية تعمل على تشويه الحقائق الثابتة ببالونات تنفخها، فإنها لا تقوم بذلك إلا لأنها تدرك حقيقة التغيرات التي طرأت على ميزان القوى الإقليمي وما يفرضه من استحقاقات مقبلة ضدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن