بينما كان التنافس في الانتخابات الإسرائيلية يجري تقليدياً بين حزب «العمل» الذي يصنف حزباً يسارياً، وبين «الليكود» اليميني، بدأ الانزياح تدريجياً في المشهد السياسي الإسرائيلي باتجاه اليمين منذ لحظة اغتيال رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين عام 1995، وترسخ ذلك الانزياح نحو اليمين مع انتصار الشاب وقتها، بنيامين نتنياهو على أحد أهم الزعامات الصهيونية المؤسسة للكيان الصهيوني ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز صاحب مشروع السلام، مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، في انتخابات عام 1996، حتى وصلنا اليوم إلى وضع تكاد فيه أحزاب اليمين الإسرائيلية المتطرفة تحتكر الكنيست، فحتى حزب العمل انزاح نحو الوسط متخلياً عن مواقفه التي كانت تدعو لإعطاء تنازلات ما ولو شكلية للعرب فيما يخص الأراضي المحتلة عام 1967، مقابل الحصول على اعتراف بإسرائيل ومنحها دوراً إقليمياً.
بل إن التنافس اليوم بين الأحزاب الإسرائيلية أضحى على من يمتلك برامج أكثر تشدداً وأقل إيجابية نحو عملية السلام التي يبدو أنها ماتت من دون إعلان رسمي عن وفاتها.
باستثناء حزب «ميرتس» الصهيوني اليساري الذي حصل على 5 مقاعد فقط في الكنيست الجديد، إضافة لكتلة عرب 1948 التي تصنف عملياً خارج اللعبة السياسية الإسرائيلية، تبدو بقية الأحزاب التي نجحت بالحصول على كتل في الكنيست الإسرائيلي، يمينية ولو صنفت كأحزاب وسط، كحزب «أبيض أزرق» الذي مثل تجمعاً لرؤساء الأركان الإسرائيليين السابقين، واستطاع بسبب الصبغة العسكرية التي تجمع بين وجوه ممثليه، منافسة الليكود، ليس عبر اقتراح تقديم أي تنازلات للفلسطينيين تزيد عما يقدمه الليكود، بل إن زعيم «أبيض أزرق» بيني غانتس وفي محاولة للمزايدة على خطاب نتنياهو المتشدد، اقترح التراجع حتى عن حل الدولتين، وليس فقط رفض الانسحاب من القدس الشرقية والأراضي المحتلة عام 1967، فرفض التخلي عن الضفة الغربية صار في الخطاب الصهيوني تحصيل حاصل.
ربما من بين المساهمين في هذا الواقع البائس الذي وصلته ما تسمى بعملية السلام، هو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نفسه الذي أعلن تعليقاً على الانتخابات الإسرائيلية أنه «ينتظر أن ينتخب الإسرائيليون حكومة مستعدةً للسلام»، فالمقاومة الفلسطينية المسلحة كانت العامل الأهم الذي يجبر المجتمع الإسرائيلي على تقديم تنازلات للفلسطينيين، ومع تقلص العمليات ضد الاحتلال ومستوطنيه انطلاقاً من الضفة الغربية نتيجة عملية «التنسيق الأمني» مع الاحتلال التي تمارسها سلطة عباس، تراجع هذا العامل الضاغط على الإسرائيليين إلى الحدود الدنيا، ومعلوم أن الضفة الغربية هي المنطقة الأخطر التي يمكن منها استهداف قلب إسرائيل، على حين تقع بؤرة المقاومة المتبقية غزة، بعيدة نسبياً عن المراكز الحيوية الصهيونية، وهي تعيش ظروف حصار صعبة بسبب القريب المصري قبل العدو الصهيوني.
العامل الثاني الذي أدى لانتهاء معسكر ما كان بعرف بمعسكر«الحمائم» في إسرائيل، هو وصول إدارة أميركية إلى البيت الأبيض تتبنى الخطاب الراديكالي الصهيوني اليميني المتطرف بحذافيره، على حين أدت الإدارات الأميركية السابقة أدواراً في عقلنة إسرائيل عبر الضغط عليها من أجل تقديم تنازلات ولو شكلية للعرب، تضمن من خلالها شرعية وجودها في المنطقة، على اعتبار أنها في النهاية كيانٌ معزول يعيش وسط جغرافيا معادية، ولا تساعده معدلات النمو الديمغرافي الكبير للفلسطينيين في مقابل انخفاض نسب النمو والهجرة الصهيونية على ضم المزيد من الأراضي، فاليوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحاكي خطاب رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جنونه وتطرفه.
لذلك يبدو المشروع القادم بالنسبة للحكومة الإسرائيلية المقبلة هو مشروع ضم مستوطنات الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية رسمياً، وهو ما وعد به أحد نواب الليكود يسرائيل كاتس.