ثقافة وفن

الشعر الزجلي إن لم يكن شعراً فهو فنّ شعري … شفيق ديب لـ«الوطن»: أقدّم مادّتي الفرديّة التي استخرجتها من الزجل ولا أصنفها تحت أي بند زجلي

| سارة سلامة

كمتصوف زاهد يفيض قلبه ولهاً وحباً بجذوره المغروسة في هذه الأرض الساحرة التي أثارت فضوله لاكتشافها والبحث مراراً في كل خباياها، آمناً ومؤمناً بعراقة هذا البلد وتراثه، لطيفاً محباً قريباً من الناس يختار أن يرى السعادة في وجه غيره ليكون سعيداً، هذا الشغف الذي يدفع الشاعر شفيق ديب إلى التقاط المؤثرات أياً تكن من حوله، فلا شيء قد يمر من عنده عادياً.
بل يمرّ كشريط ذكريات في رأسه يصوغها حروفاً من زجل ضمن أبجدية اختص بها، ففي الحب ناجى الحبيب متغزلاً وذاب عشقاً وولهاً إلى أقصى درجات الهوى، وحينما انشغل الكثيرون في المناصب اختار ديب أن يكون وزيراً للورد يحب ويغار ويحفظ ترانيم العاشقين، وفي حب الوطن والأرض قصّ حكايا من العنفوان في زجل ليس له نهاية واصفاً سورية بجغرافيتها ومخصصاً دمشق وسحرها مستذكراً اللاذقية وبحرها. وفي الأوساط الزجلية ارتجل فأبدع وحاكى كل من يقاربه حباً وعاداه لطفاً وحماساً، تنوّعت المناسبات وتعدّدت أشكالها فكان محط أنظار وكسب إصغاء وتصفيق الجمهور بشعر عامي موزون فيه الكثير من العزة والكرامة والعنفوان.

وطرح كتاب «الحفيد» الذي حمل موضوعات زجلية منوعة عن الحب والأرض والرؤية الشخصيّة، مرفقاً بـ(سي دي) وأداء أقرب للأداء الأوبرالي يدخل السكينة في النفوس، فكان الأسبق في مجاراة العصر وإدخال الشعر الزجلي مجدداً في المجتمع. وفي حوار مطول بحثنا رحلته مع الزجل منذ البداية إلى اليوم وما حققه وما يطمح بالوصول إليه.

بدايةً، ما مدى انتشار الشعر العامي في سورية؟ وما مدى أصالة حالة الزجل بها؟
لا هويّة مُوحّدة للشعر العامي السوري، بل لون مناطقي جميل خاصّ بكل منطقة. وعلى الأغلب ينضوي كل من هذه الألوان تحت راية (الفولوكلور)، أمّا بما يتعلّق بالزجل، الزجل (كمسمّى) في سورية فلا أعتقد أنه حالة قديمة ومُوثّقة، على حين إذا أردنا اعتبار القول الشعبي الموروث زجلاً، فنعم، هو موجود بسورية ومؤصّل وله عشرات المسميات والأشكال.

رحلتك مع الزجل؟
نعم، رحلة لم تكن بالعابرة، تكلّمت عنها مراراً، ولكن سأختصر لك، بدأت بسن مبكرة جدّاً، أول صعود في أمسية، كان عمري 15 عاماً، وأول كتاب 16 عاماً، حاورت شيوخ الكار بعمر 18 عاماً، شاركت في أول مسابقة تلفزيونية لبنانية زجلية كان عمري 20. تغيّرت الرؤية من بداية الحرب وأيضاً استمرت التجربة، أمسيات فردية، برنامج تلفزيوني إعدادي وتقديمي وبرنامج إذاعي وغيره، ومؤخراً الكتاب والسي دي المرفق به.
ولا أفضل الحديث عن عموميات الزجل، بل التحدّث عن رؤيتي الخاصة وإيضاح علاقتي السابقة والحالية مع العالم الزجلي، لأن مادتي في السنوات الأخيرة لا أعتقد أنها تنتمي بشكل مباشر للزجل، بل أسمّيها الشعر العامّي الموزون.

ما رأيك بمن يقولون إن كل شعر عامّي ليس شعراً؟
لا تهمّني المسمّيات، الشعر الزجلي إن لم يكن شعراً فهو فنّ شعري، ولكن من الشائع في سورية، عندما نقول شاعر، يعني شاعر فصحى متمكّنأ لغوياً، ولا بأس في ذلك، أنا أحترم شعراء الفصحى، وسأقول لك أمراً، حسب رؤيتي العينية، أكثر من ينصف ويستمتع بالصنف المتين من الشعر العامي هم شعراء الفصيح.

لماذا تركت الزجل ومنبره؟
حاولت البحث سابقاً عن إجابة هذا السؤال، ولكن الآن أعتقد أنني أمتلك الإجابة.
لم يلبّ أي زجّال سوري أو لبناني _ من الّذين أعرفهم_ دعوتي من أواخر 2011 إلى بدايات 2015 ولم أتلقّ أي دعوة إلى أي حفل زجلي إلا فيما ندر وتستطيعين أن تقولي إنني وقفت وحيداً على الرغم من كل النشاطات والالتزامات والعلاقات التي كانت قبل 2011، لا ألومهم، ربّما كانوا يشعرون بالخوف من الحرب أو من أشياء أخرى وأظن أن هذا الأمر قد كان المسبب آنذاك، ولكنّه ليس السبب الأساسي حالياً، بالفعل، لم أعد أجد من أباريه فقررت (مباراة نفسي)، فبالتوازي مع هذا الانقطاع بدأت تتبلور في ذهني فكرة الوصول إلى مادة فردية، وفكرة أنني يجب ألا أكون زجّالاً هامشيّاً تتقاذفه الظروف ومن هذا القبيل قد فتح القدر أمامي طريقاً بديلاً أراه أهم من المنبر الزجلي، حيث دعيت إلى أولى مناسبات تأبين الشهداء وتلاحقت الدعوات إلى أكثر من 80 دعوة لبّيت أغلبها قدر سقف استطاعتي، كانت تجربة فريدة على الصعيد الشعري وما قدّمته في هذه التجربة من ارتجال وكثافة إنتاج وشعر ذي مغزى وتفاعل مدهش من الحضور كان كفيلاً بأن أشعر بالرضى رغماً عن ذلك الانقطاع، وبعض هذه المناسبات منشور وبعضها في جعبتي وبعضها يمتلكها أصحابها وبالطبع لم ولن تكن هذه المناسبات للمزاودة الإعلامية بالنسبة إلي.
ولاحقاً بعد تلك السنين عندما راودتني نفسي إلى المنبر الزجلي مفكّراً بالعودة، وجدته بعيداً جداً ولا يشبهني وشعرت ببعض العوامل التي أكدت لي تغيّر المشهد برمّته، على كل حال، أشعر الآن إني أقدّم مادّتي الفرديّة التي استخرجتها من الزجل ولكنّها لم تعد زجلاً من حيث المظهر ولا أصنفها تحت أي بند زجلي.

ولكنّني رأيت لك بعض مناسبات الزجل في سنوات الحرب؟
مناسبات الزجل التي أقمناها آنذاك كانت استنزافاً ومحاولات أخيرة لإحياء ما تبقّى من مشروعنا الزجلي، وأقول شهادة للتاريخ والصداقة، أشكر القدر على معرفتي لعدّة شعراء وأصدقاء كبار من محافظة طرطوس، لبّوا أغلب دعواتي في دمشق وفي اللاذقيّة على الرغم من ظروف الحرب وعلى الرغم من التزاماتهم الشخصية وعملهم، وفعلنا ما بوسعنا للاستمرار وبالفعل أقمنا عدّة مناسبات مهمّة جداً وسيجمعني المستقبل بهم دون غيرهم بكل تأكيد.

ما العوامل التي أكدت لك تغير المشهد؟
هناك عدّة أمثلة اعتبرتها مؤشرات تدلّ أن هنالك فجوة ليس من المجدي محاولة إصلاحها، مثلاً: عندما أقمت الجولة مع الكبير المرحوم زغلول الدامور (جوزيف الهاشم) عام 2008 كان عمري 19 عاماً وكانت من أولى حفلاتي، آنذاك كان هنالك احتضان شعبي وفهم لفكرة الشاعر الصغير الذي يحاور الشاعر العملاق، يؤسفني الآن أن بعض الفئات الجديدة التي تعرّفَت على الزجل من خلال اليوتيوب، رأت هذا الحفل وفسّرته كأنّني أهاجم الكبير زغلول، ربّما بسبب بدانتي آنذاك ظنّوني كبيراً، كان عمري 19 عاماً وحسْب، ومثال آخر، في أحد البرامج اللبنانيّة وبعد نيلي ما يعادل المرتبة الثانية وربما أقل، وبعد شعوري بعدم منطقيّة هذه النتيجة وتعاطف أغلب المتابعين مع تلك الحالة، قلت قصيدتي الختاميّة في الحفل الأخير عام 2010، ونالت وقوفاً وتصفيقاً فريداً من الجمهور اللبناني، وأيضاً يؤسفني الآن أن البعض ظنّوني الرابح في هذه المسابقة وأنّي افتعلت الغضب رغم ربحي!! غير صحيح، أنا لم أربح، بل قلت قصيدتي ردّاً على هذا الأمر، وهذا الالتباس أيضاً يؤسفني على كل حال لم أكن أنتظر الربح أو الخسارة، كنت أمارس هوايتي فقط وكنت مستمتعاً.
والمثال الأخير الحاضر في ذهني وهو أسوؤهم، في بداية الحرب، وعندما حاولت تصدير صورة أن لشاعر الزجل حقّاً في الدفاع عن وجهة نظره وبلده، وصلتني عدة رسائل من أشخاص متابعين للزجل من دول عربية مجاورة، بما معناه، كم تقاضيت ثمن هذه القصيدة أو هذا الموقف؟ إنْ كانت هذه سمعة شعراء الزجل؟ فبئس الزجل وبئس الزجّالون!

ولكن ما زالت صفة شاعر الزجل مقترنة بك هل يزعجك هذا الأمر؟
لا أستاء إن اقترنت كلمة الزجل باسمي في محيطي أو عند من يسمع بي مصادفةً، لأن الكثافة والمدة الّتي فرّغتها من حياتي للزجل وللمباريات الزجلية لم تكن بالقليلة إضافة إلى محركات البحث على الإنترنت فمن يتعرّف عليّ حديثاً ويكتب اسمي ستظهر له حفلات الزجل الّتي كانت بأغلبها لا بأس بها مع العلم أن آخر حفلة زجلية رسمية لي كانت عام 2013.

هل للشبكة العنكبوتية فوائد لعالم الزجل الّذي بقي مغلقاً لعشرات الأعوام؟
هنالك بعض الفوائد لا شكّ في ذلك، ولكن من بعض السلبيات، هي الإتاحة السهلة لنوادر فقدت قيمتها بعد النشر، كنّا نبحث على كاسيت الزجل النادر بجميع الوسائل التي تكاد تكون مضحكة، وسأروي لك حادثة تضحكني، في يوم من الأيام وكان عمري أقل من 13 عاماً توصّلت إلى متجر تسجيلات قديم بمدينة زحلة اللبنانيّة يمتلك حفلاً نادراً طالما حلمت بامتلاكه وكان فيه جولة للسيد محمد المصطفى الذي كنت أحبه كثيراً، خرجت من المعرض مباشرة بعد الحصول على الكاسيت وحاولت سماعه خارجا في ( الووكمان)، فرأيت أن جولة محمد مصطفى منقوصة، فدخلت إلى المتجر غاضباً باكياً أنه كيف يحذف ردّات للسيد محمد واتّهمته بالمؤامرة، أمر طريف ولكنّه يدل على العذاب الذي كنّا نعانيه للحصول على النوادر، على حين الآن كل هذه النوادر توفّرت وانتشرت ولم تنل حقّها بل نالت الاستياء لأنها أقل مستوى من الحفلات المشهورة.
وفي سياق مماثل، انتشرت المعلومة الوزنية على صفحات التواصل بشكل سطحي ومضرّ، لأن من يأخذها جاهزة من دون معايشة وتصوّف سيقتل كل ما يكتب وسيسيء للمعلومة بالاستسهال، والأكثر خطراً أن هذا الشخص نفسه يبدأ بالتشكيك بالأوزان الاحترافية لأنه رأى فيها أموراً لم يألفها. كما أن براعة الشاعر ليست بتطبيق عموميات الوزن، بل باللجوء إلى جوازات خطرة عند الحاجة والقيام بتطويعها.

من أهم شعراء الزجل اللبناني؟
الأجيال الأولى الثلاثة من دون شكّ كانت رائعة ومثالية، وهم الأساتذة والمؤسسون والملهمون، وبالنسبة لي لا أريد أن أمنح نفسي حق التقييم ولا حتّى إبداء الرأي، ولكن أودّ أن أنوّه لنقطة في سياق آخر، برأيي تقييم الشاعر يستند إلى ثلاثة نقاط:
تمكّنه بالكلاسيك، ومعاصرته لتقنيات زمنه، ونزعته الحداثيّة واعتقد أن المرحوم أسعد سعيد كان هائلاً.

رأيت الشغف بك وأنت تتحدث عن مؤسسي الزجل، كيف تقول إنك تبرّأت من الزجل؟
(ضاحكاً)، ما زلت وفيّاً لزين شعيب وخليل شحرور وخليل روكز ومحمد مصطفى وزغلول الدامور وأسعد سعيد وغيرهم، ولو بقي الزجل كما تركوه لمَا فكرت بتركه، وإلى يومنا هذا لا أقبل الإساءة للزجل أو بالتحديد لتلك الحقبة من الزجل.

ما رأيك بفكرة الفن الشعبي وما علاقته بالشعر الشعبي؟
الفن بالمطلق يُقيّم من نتائجه، وإن رأيت الفنّ الشعبي يسعد الطيّبين ويساعدهم على تحمّل صعاب الحياة فلا بأس في ذلك، هذه نتيجة إيجابيّة ولا يحقّ للمثقفين خدش مشاعر البسطاء، ولكن إن رأيت هذا الفنّ يترك انطباعات سلبيّة عن الحاضنة الشعبية الّتي يمثّلها فاعْلم أن هناك خللاً ما، الفنّ الشعبي هو مرآة حقيقية للسواد الأعظم من المجتمعات، وهناك علاقة وطيدة بين الإيقاع وبين الطبيعة النفسيّة للشعوب، فعندما يكون الإيقاع معقّداً تكون طبيعة السكان المحلّيين معقّدة وقد يكون هذا التعقيد إيجابياً وعندما يكون الإيقاع بسيطاً تكون الشعوب أبسط وعندما تكون الموسيقا موزونة لا مؤقّعة قد تكون طبيعة الشعب أكثر نضوجاً، أما فيما يتعلق بالشعر الشعبي وعلاقته بالفنّ الشعبي، فمن المفترض أن تكون الكلمة الشعبية هي أساس الفن الشعبي ولكن إن كانت هذه الكلمة مسمومة وأرفقتها بإيقاع مضطرب وحمّلتها صخباً عبثيّاً أعتقد أنها ستسبب عدم الاستقرار ولا تستغربي إن سبّبت حروباً.

تكلمت عن الوزن، ما أهمية الوزن بالنسبة للشعر العامي؟
الوزن هو الركن الأهم، وطبعاً الأوزان المستخدمة بالشعر الزجلي مطابقة لبعض أشكال الأوزان العروضية للشعر الفصيح ولكن لي رأي بتفصيل هذه المقارنة، وهي: قد يستوجب الأمر على شاعر الفصحى أن يمتلك المعلومة الوزنيّة غالباً، ولكن يجب على شاعر العاميّة أن يمتلك الفتوى التي تدافع عمّا ينظمه، لأن الكلمة العامية يستحيل ضبط حركاتها ولفظها، وبرأيي يحق للشاعر أن يلفظها كما يستسيغها لسانه ولهجته ولكن يجب عليه أن يكتبها كما يقبلها العروض. ومن جهتي امتلك الفتوى والمعلومة لكل بيت نظمته أو ارتجلته في حياتي سواء كان تاماً أو جوازاً أو خاضعاً لزحاف.
ولكن بالمرحلة الأكثر احترافيّة يصبح الوزن تحصيل حاصل ويجب أن تبحث على ما وراءه، لأن الوزن هو فن القيد وليس قيد الفن.

هل تندم على خطوة معيّنة؟
لا أندم على فعل محدد بعينه، ولكن أندم على كل شخصيّة شعريّة لبستها ولا تشبهني، وخصوصاً عندما كنت متفرغاً للزجل في سنّ مبكّرة وغير ناضج، مثلاً، كما تعلمين أن من أشكال الحوار الزجلي هو الدفاع والهجوم بين نقيضين مثل الموت والحياة، أو الخيانة والوفاء أو ما شابه، وكان من أشكال البراعة أن تدافع عن الطرف السلبي، ولكن الآن أشعر أنه من العبث والخطأ أن أنظم الزجل أو الشعر دفاعاً عن قيمة سلبية مثل الجهل أو السرقة أو الجبن أو التخلّف فقط لإثبات براعة معينة، قد يؤثر هذا الأمر في الأجيال القادمة ويتبنّون كلاماً عبثيّاً لشاعر زجل يسمعونه. أما الآن فأنا مسؤول عن كلمتي وعن كل خيار أتّخذه ولا أريد أن أساهم بتدمير مجتمعات فقط لكي أشعر بنشوة التأثير.

ألا تحدّ هذه النظرة من هامش حريتك في الموضوعات التي تكتب عنها؟
نعم، كم من قصيدة لم أنشرها في كتابي أو على صفحتي، خوفاً على قناعات الآخرين واستقرار نفوسهم، إن كان لديّ كلمة جماليّة فسأنشرها، أما كل ما يحرض على البشاعة فلن أنشره وإن كان جميلاً، وسأحتفظ بقناعاتي ونزواتي الفكريّة لي، خوفاً على الآخرين لا خوفاً منهم وخصوصاً أن كانوا من اليافعين والطيّبين.

ألا يجب على الشاعر أن يساهم بتشكيل الرأي العام؟
لي وجهات نظري الخاصة، أريد أن أشعر بالجمال والإنسانية والسلام، مهمّة الفنان أن ينشر الجمال ويجعل الوجود مكاناً أجمل، لا أنعق مع كل ناعق وكل رأي عام أشكك به ألف مرة وكلّ موجة موسميّة أبتعد عنها، أمّا كلمة الحقّ الّتي أعتقد أنها حقّ فهي أمرٌ آخر، أحرص عليها ولكن حتّى كلمة الحقّ إن قيلت في غير مكانها قصُر زمانها.
حياة الفنّان خصوصاً مثل لوحة لها ثلاث مراحل، البداية والمسيرة والنهاية، وربّما عندما حُرمت من الاستمرار الزجلي آنذاك أتاح لي القدر فرصة بأن أتفرّغ لرسم هذه اللوحة والجنوح نحو أماكن ترضيني.

ماذا تقول عن (السي دي) الأخير الذي أصدرته؟
سي دي (lupo) يحوي 12 قصيدة بعدة أوزان شعريّة وحاولنا أن يكون كل مقطع بتوزيع وإطار مختلف، فيه مقاطع بطريقة الإلقاء ومقاطع بطريقة الأداء الغنائي الزجلي إضافة إلى تقسيمات محدودة منّي على آلة القانون، ووضَع المؤلف الموسيقي رضوان نصري رؤيته بتوزيع هذه المقاطع وتأليف مقدماتها الموسيقيّة.
طبعاً المقاطع هي قصائد زجلية لا تبتعد كثيراً بأدائها عن قالب غناء الزجل المعهود الذي يشبه الموّال نوعاً ما ولكن بمحاولات خاصّة أرغب فيها، وخصوصاً بعد سماعي وبعض اطّلاعي على عالمين مختلفين من الفنون، وهما فنّ الطرب الحلبي وفن الأوبرا الإيطاليّة، طبعاً لا أدّعي أنني محترف في هذين الفنّين الهائلين، ولكن من حقّي أن أتأثر بفنون أحبّها، حاولت إدخال أمور جديدة اقتبستها من هذين الفنّين إلى الأداء الزجلي، أعلم.. هذه أمور كبيرة يُخشى منها ولكن شغفي حالياً يوجّهني إلى مغامرة كهذه.

ما هدفك من هذه المغامرة والتجديد بها؟
أودّ أن أوضح أمراً، لا أريد أن أظهر كمن يحاول التسلل إلى مجالات لها أربابها كالغناء والعزف، وخصوصاً أن لي أصدقاء محترفين عازفين ومغنين أكاديميين ومؤلّفين موسيقيين يحتلّون مكانة بارزة على مستوى المنطقة العربيّة، ولا أستطيع مجاراتهم كمغنّ أو كعازف، باختصار وببساطة، أنا شاعر عامّي يحاول خلق مادّة مميزة بما يمتلك من أدوات، ومادّتي الأساسية هي الشعر العامي الموزون، والمقصود من هذا التجديد هو الإيصال وليس التطريب أو الإطراب، الغناء أمر آخر، ولكن بسبب توافر عشرات حفلات الزجل التي شاركت بها بصوتي، كورطة مفروضة منشورة لا أستطيع حذفها، رأيت من الأفضل المضيّ قدماً ومحاولة تطوير مادة موجودة أساساً، وبالفعل فنّ الأوبرا الإيطاليّة أوحى لي كثيراً منذ عدة سنوات وقد تستغربين أنني أحفظ بعض مقاطع الأوبرا بشكل سماعي من مسرحيات مثل:
(la traviata، il trovatore، la boheme، rigoletto، pagliacci، turandot،) وغيره
وأخذتني هذه الهواية الجديدة لزيارة متاحف ومنازل كبار مغنّي الأوبرا، والحصول على تسجيلات مهمة وحضرت عدة مسرحيات أوبرالية في مهدها.

كتابك الأخير الحفيد، هل هو لإيضاح مدى تأثرك بجدّك؟
(الحفيد) كتاب مؤلف من 430 صفحة تقريباً، يحوي قسمين من القصائد المنوعة، وقسماً ثالثاً صغيراً جداً يروي بعض الحكايات التي عايشتها مع جدّي العسكري الراحل، الكتاب، ليس لإيضاح تأثّر، وحتّى ليس للتكلم عن عاطفة، هذا القسم الصغير يوثّق بعض الحكايا التي تفسّر الكثير من الأمور التي تتعلق بتجربتي الشعرية والشخصية.

الأنثى في حياتك؟
(أحبّها) ولها كلّ شيء
نافذتك الحالية؟
الأمسيات الفردية كل فترة، وصفحتي الصغيرة على (الفيسبوك)، فقط لا غير

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن