يقول أرسطو إنه يمكنك أن تتجنب النقد بألا تفعل شيئاً ولا تقول شيئاً ولا تكون شيئاً.
يجب عليّ أولاً أن أثبت بعض الآراء.
أكثرها أهمية أن النقد ضرورة وأن الدول لا تتطور إلا من خلال عيون تراقب وتنتقد، وهو في أغلب الأحيان جزء من وظيفة مؤسسات بحد ذاتها مثل الإعلام ومجلس الشعب والنقابات.
ثانياً أن مفهوم النقد يصل بنا إلى تحري الأخطاء وتحري الصواب في الوقت نفسه، ومن ثم هو تقديم الحل والنصيحة ممثلة باقتراح أو ما يشبه ذلك.
وثالثاً أن النقد ثقيل على القلب سواء كان هذا النقد للشخصيات العامة أم لعموم الناس، وفي بداية عملي الصحفي قال لي مسؤول إنه «يطرب» للنقد، وصدقته، وبعد معزوفة النقد كان الفراق بيني وبينه، وحتى الأشخاص العاديون لا يتحلون بالصبر على النقد ويعتبرونه تهجماً، وأن معظم الأشخاص يفضلون «المديح والثناء» والغانيات يغرهن الثناء!
رابعاً أن تحول النقد إلى مطرقة تحطم الأفكار والأشخاص هو الشيء الأكثر إساءة للنقد، النقد كتصيد الأخطاء مقبرة للنجاح.
ومن هنا أبدأ معكم النقاش حول النقد في المجتمع السوري، وكيف أن معظم النقد في الفترة الأخيرة أخذ منحًى مؤلماً وقاسياً.
وأول مساوئ مثل هذا النقد المؤلم أنه أولاً يحول المسائل إلى النواحي الشخصية، ويصبح الهجوم بكل قسوته موجهاً للشخص وليس لعمله أو فكرته، هذا ناهيك عن أنه يتحول في بعض الأحيان ليأخذ الجانب الشخصي ويتناول الخصوصية التي يجب أن تبقى بمنأى عن النقد على اعتبارها حالة خاصة.
ثانياً والأسوأ من ذلك أن النقد في هذه الحالات القاسية يقتل الإبداع، وتصبح المبادرات قليلة والاجتهادات محدودة مخافة من ألسنة الناس.
وفي الفترة الأخيرة بدا أن المجتمع السوري يمارس «عنفاً» في النقد على «بعضه» وليس فقط على مؤسسات بحد ذاتها، وفي الوقت نفسه فإن المسؤولين لا يتحملون النقد، ولم يعتادوه ودوماً يحولون أي انتقاد إلى أعمالهم على أنه هجوم شخصي، فكثر المداحون حولهم، وخاصة في المؤسسات التي يفترض أن يكون جزء من عملها مراقبة أعمال الحكومة ونقدها.
وفي الوقت الذي انخفض فيه النقد المؤسساتي ارتفع مستوى النقد في وسائل التواصل الاجتماعي وأخذت وتيرته تنحدر إلى مستويات مزعجة بأسلوبها ولغتها.
هل يمكن أن نتحدث عن حل هنا؟
بالتأكيد علينا جميعاً أن نساهم في خلق بيئة تحترم آداب النقد ولدينا ما يسمح لنا بذلك.
بين الأشخاص فإن النقد يصبح أقرب إلى النصيحة وهنا نتحدث عن نصيحة وليس
فضيحة، ولتقديم النصائح أصول أكثرها أهمية ألا تكون فظة وعلنية.
لكن فيما يخص نقد العمل العام سواء كمؤسسات وكشخصيات عامة فعلى المؤسسات والمسؤولين عنها أن يتعاملوا مع النقد بعقل منفتح وليس بردة فعل ساخطة الملائكة سألت الله: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء»، فكيف لا يتحمل المسؤولون السؤال والنقد؟
والحاشية لا تقدم «نقداً» بل تقدم مدحاً فلا ينبغي المبالغة في الاستماع إليها.
بالمقابل فإنه على الناقد مسؤولية كبيرة في أن يكون نقده موضوعياً ومفيداً ويهدف إلى المصلحة العامة وليس لغايات شخصية، ثم أن يكون النقد من أهل الاختصاص وليس نقداً في قضايا لا يعرف عنها الشخص شيئاً.
الموضوع طويل، أنهيه في الحديث الشريف الذي لم يقل: احثوا في وجوه الناقدين التراب بل في وجوه المداحين.
أقوال:
• يؤقلم العاقل نفسه مع العالم، أما الأحمق فيستمر في محاولة أقلمة العالم مع نفسه.
• إن تحدثت برفق وحملت في يدك عصا كبيرة فسوف تنجح نجاحاً عظيماً.
• عند تقديمك النصح فلتسع إلى مساعدة صديقتك لا إلى إرضائه.