رسالة محبة وسلام حملتها (جوقة الفرح) إلى العالم أجمع … الأب زحلاوي لـ«الوطن»: كانوا يريدون لسورية أن تموت ولكنها صلبت ملايين المرات ولم تمت
| سارة سلامة – تصوير: أسامة الشهابي
في البدء كان الكلمة.. وإلى المنتهى سيبقى الكلمة.. في هذه الأرض ظهر وفيها بقي وسيبقى.. روحه تلهم موسيقا رددتها الأجيال ونرددها اليوم. ولأن رسالتهم قامت على المحبة والسلام، وبمناسبة الأسبوع العظيم وعيد الفصح أقامت (جوقة الفرح) أمسية ترقى إلى عالم الجمال الروحي وتحمل الكثير من الحب والسلام والجمال لتعبر بذلك حدود الوطن وتلحق بالعالمية. منطلقة من عنوان (حقاً قام) بمشاركة الفنان اللبناني جورج خباز، على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق.
عبر برنامج فني حمل أحداثاً متتالية بدءاً من محاكمة السيد المسيح والصلب والموت والختام مع القيامة. ولأن الموسيقا الكنسية زاخرة بأعمال تصل إلى حد الإبداع في تجسيد طقوسها وخدماتها المختلفة، جاءت فكرة الأمسية في تسليط الضوء على حدث فريد واستثنائي هو فعل فداء للبشرية، بلغات حية ومن معظم الطقوس، تنشد للمصلوب حباً بالإنسان. فبدأت الصلاة الافتتاحية مع ترنيمة من صلاة الغروب. ثم ثلاث ترانيم تضمنت مجموعة من تعاليم السيد المسيح لتلاميذه قبل تألمه بما فيها الصلاة الوحيدة التي علمهم إياها، وبعدها ترانيم تتعلق بحدث الصلب، ثم ترانيم تنشد العذراء مريم واقفة ترقب وحيدها مصلوباً. وتلتها ترانيم تنزيل المصلوب عن خشبة الصليب فمراسم التشييع. فترنيمة إعلان القيامة ورفع الأبواب الدهرية ثم ترانيم فرح القيامة والانتصار على الموت.
سورية لم تمت
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بيَّن الأب إلياس زحلاوي: «أن في هذه المواسم يحتفل المسيحيون في العالم بذكرى آلام السيد المسيح استعداداً لذكرى احتفال قيامته، والسيد المسيح هو ابن سورية الأعظم كان بكليته لا شيء سوى الحب والسلام والأمان كل ما دعا إليه وما فعله وما قاله كان لا شيء سوى الحب والسلام والأمل.
إلا أنه كان هناك من لا يريد أن يراه ولا يسمعه وصلبوه ولكنه قهر الموت. هذه الذكرى تؤسس لإيمان المسيحيين وتذكرنا أيضاً بكل ما يجري من ظلم حيال الإنسان عامة والإنسان العربي خاصة، هذا الظلم يحدث على يدّ من رفضوا أن يسمعوه وصلبوه. اليهود اليوم هم الذين يواصلون صلب الشعوب العربية كلها بدءاً من شعب فلسطين، وما جرى في سورية منذ ما يزيد على 8 سنوات كان الذروة في هذا الهول والظلم. وكانوا يريدون لسورية أن تموت وتدفن إلى الأبد كما حاولوا أن يفعلوا بالسيد المسيح. ولكن سورية أسوة بأعظم أبنائها السيد المسيح تحملت ما لا يحتمل وصلبت ملايين المرات في جميع أبنائها وبناتها وفي الأمهات والزوجات وصلبت في جنودها وبكل تاريخها ولكن سورية لم تمت ذاقت الموت ولكنها لم تمت. وها هي واقفة تحمل الحياة لأبنائها وللعرب جميعاً بل للمسلمين وللغرب. إن شاء الغرب يفهم أن ما اختلقه من إسلام عنيف ما كان يوماً من أصل الإسلام سيرتد عليه آجلاً أم عاجلاً. هذا هو بالذات ما شئنا أن نقدمه من خلال الترانيم في جوقة الفرح على دار الأوبرا بدمشق. وقد أحببنا أن يشاركنا هذا العمل الفنان اللبناني المبدع جورج خباز. ويوم اجتمعنا به منذ أشهر مضت وجدناه من مدرسة وديع الصافي وزكي ناصيف إيماناً وتواضعاً وسخاءً وإبداعاً. وبالأمس كانت محاولتنا الأولى معه في الجوقة ولكن في المستقبل سوف نواصل التواصل معه كما اعتدنا في السابق أن نتعاون مع وديع الصافي وزكي ناصيف، في إيمان ومحبة وأريحية تامة. وهنا دعوني أقل لكم عن سورية وفي ما اعتاد المسيحيون أن يقولوا في هذا العيد العظيم: (المسيح قام.. والجواب هو: حقاً قام). دعوني أقل بكل إيمان سورية قامت وأسمع جوابكم حقاً قامت».
وأضاف زحلاوي: «إنني أشكر اللـه على الحلم الذي تحول إلى (جوقة الفرح) التي تتغنى بمحبة اللـه وتدعو الناس إلى المحبة حتى يكون كل إنسان على وجه الأرض بدءاً من سورية محباً ومكرماً. وأشكر كل القائمين على جوقة الفرح الحاضرون منهم والغائبون، الذين خدموا فيها وقدموا طاقاتهم. وشكرهم على هذا الإيمان والمحبة والبشرى بمستقبل مشرق وواعد. كما أشرقت المحبة والأنوار من قلب يسوع».
قيامة سورية
وأكد مدير دار الأوبرا أندريه معلولي في تصريح خاص لـ«الوطن» أن: «جوقة الفرح تحدث بشكل دوري كل عام بالتزامن مع أعياد الفصح المجيد، وهي جزء أساسي من (دار الأوبرا)، لأنها تقوم بإحياء حفلات مميزة بشكل دائم، وتمثل سورية في المحافل الدولية والعربية. ونحن نفخر بتقديم صورة جميلة عن الشعب السوري والإخاء الذي نعيشه. وفي أمسية اليوم لحظنا أن كل التراتيل كانت موزعة بطريقة جميلة وتتناسب مع فخامة العمل الموسيقي وتحاكي قصة الفصح والقيامة التي تتزامن مع قيامة سورية، وتميز العرض بمشاركة الفنان اللبناني جورج خباز الذي ترك أثراً كبيراً. وسيعمل على متابعة مسيرة الراحل وديع الصافي الذي رافق الجوقة لسنوات طويلة، وتحدثت معه مطولاً عن الأعمال التي ممكن أن ننجزها في الأوبرا السورية. وتميز العرض هذا العام بإبهار بصري رائع أضاف نوعاً من الحيوية والجمال على المقطوعات المقدمة».
أرقى طرق الصلاة
وبدوره قال الفنان اللبناني جورج خباز: «إنني سعيد جداً وفخور ومتأثر بوجودي معكم. والفضل في ذلك يعود لـ(جوقة الفرح) العظيمة وبالطبع لدي أهل وزملاء في دمشق أعتز وأفتخر بهم وعلى رأسهم الفنان القدير دريد لحام. وهذا الحفل يحمل أرقى طرق الصلاة عبر الموسيقا والشعر. ونصلي للمحبة والسلام والوطن. ونحن في هذا الوضع الراهن بأمس الحاجة إلى (جوقة الفرح). لأنهم يحرضون الناس على الفرح والسلام والجمال والحرية. وفي كلمة أخيرة أتمنى من السيدة العذراء أن تحميكم وتحمي هذه الأرض الطيبة».
وفي تصريح له ذكر خباز أن: «غيابه عن الشاشة الفضية كان بسبب انشغاله الدائم في المسرح باعتباره أساس كل شيء و«أبو الفنون» وعندما يطرح الفنان شيئاً على المسرح يجعل الناس تتابعه بصورة كبيرة يقترب فيها منهم بصورة مباشرة ويترقبونه بكل تفاصيله. وستحمل هذه الزيارة إلى دمشق باباً للتعاون مع الأشقاء السوريين. لتكون البداية من خلال (جوقة الفرح) في مسرح دار الأوبرا. وتشكل بادرة خير وبداية لي في دمشق».
وأضاف خباز إنني: «متابع نهم لأعمال الجوقة منذ زمن عبر موقع (اليوتيوب) وجئت اليوم كي التقي الناس الذين أحبهم ويحبونني في دمشق لنصلي معاً للمحبة والسلام، خاصة في عيد الفصح المجيد ونصلي للسلام مع هذا الشعب الذي يستحق السلام، وكل من يجتمع بهدف المحبة أنا معه وهذه الزيارة بداية لنكمل المشوار معاً ونعيش على رجاء القيامة على أمل قيامة الوطن العربي بالسلامة».
جميع الطقوس الكنسية
بينما أوضح المسؤول الفني في جوقة الفرح حبيب سليمان: «قدمنا أمسية بعنوان (حقاً قام) تتضمن مجموعة ترانيم من الطقوس الكنسية كافة لكل الطوائف المسيحية، بترانيم تضمنت ست لغات. وشهدت الأمسية حضوراً مميزاً للفنان المبدع جورج خباز الذي قدم أشعاراً ربطت بين القطع الموسيقية. وأوجه الشكر له لأنه بكل طواعية ومجانية أحب مشاركتنا هذه الأعياد. وأقول إنه من الآن إلى عام 2021 سيكون هناك عمل مسرحي غنائي جديد من تأليف جورج خباز. وجوقة الفرح دائماً يهديها اللـه عمالقة متواضعين. والهدية الجديدة اليوم هو هذا العملاق المتواضع جورج خباز حيث طلب عندما أرسلنا له (بوستر) الأمسية وكنا قد وضعنا ضيف الأمسية المبدع جورج خباز. جعلها فقط ضيف الأمسية جورج خباز لأننا سنصلي للمبدع الأعظم».
الأبجدية السورية الأولى
الجدير بالذكر أن جوقة الفرح نشأت عام ١٩٧٧ وأسسها الأب إلياس زحلاوي، بخمسة وخمسين طفلاً. جاءت أولاً استجابة لحاجة كنسية، سعياً لإحياء طقوس على نحو متقن، في لغة عربية أنيقة. إلا أن مؤسسها الأب الياس كان يهدف أيضاً إلى إخراجها ذات يوم، من جدران الكنيسة بقصد تحويلها إلى جسر روحي ثقافي بين أبناء الوطن الواحد داخل سورية أولا، ثم داخل الوطن العربي فالعالم الأوسع.
ولقد تحقق لها ذلك شيئاً فشيئاً، بعد أن التقت الفنان العربي الكبير وديع الصافي فاختيرت له كلمات عربية بهية سكبها في ألحان شرقية أخاذة، بلغت من الرونق ما جعل أبناء الضاد يتماهون معها في كل مكان. وفي هذه الأثناء كانت جوقة الفرح ترقى عدداً وأداء وفناً وحضوراً.
وبدءاً من عام 1995 قامت جوقة الفرح بمختلف مكوناتها من بالغين وفتيان وأطفال، بجولات عالمية قادتها أولاً إلى فرنسا وهولندا وألمانيا. وعام 1996 إلى فرنسا وبلجيكا. وعام 2004 إلى أستراليا وعام 2009 إلى الولايات المتحدة الأميركية. وعام 2016 إلى فرنسا.
جوقة الفرح اليوم تريد أن تكون في قلب عالم فقد كل قيمته وتوازنه وبعضاً من الأبجدية السورية الأولى. في إيمان وكرامة ومحبة.