الجولة الـ12 من محادثات أستانا، أو «نور سلطان» حالياً، ستشهد تحديات رئيسية تقف في وجه الضامن التركي تحديداً باعتباره غير الملتزم بتنفيذ ضماناته، وعلى رأس تلك التحديات حسم ملف تنفيذ اتفاق إدلب وتشكيل اللجنة الدستورية والعملية العدوانية التركية التي يهدد بها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان ضد ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية في شرق الفرات.
بالنسبة للتحدي الأول المتمثل بتنفيذ اتفاق إدلب، الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي في شهر أيلول من العام الفائت، فإن حسمه بات مسألة ملحة وما إعلان دمشق وموسكو عن أن صبرهما قد نفذ لعدم تنفيذ الاتفاق، إلا رسالة صبت في أذان أردوغان بأنه بات لا مفر من الحسم في هذا الملف، وهو ما سيجعله في «أستانا 12» أمام أحد خيارين:
الأول: التعاون الفعال والحقيقي مع روسيا لتوجيه ضربات مركزة وفاعلة ومكثفة على التنظيمات الإرهابية في منطقة «تخفيض التصعيد» شمال البلاد، وهذا الخيار مناسب لجميع الأطراف في المرحلة الحالية باعتبار أنه إذا ما نفذ بشكل جدي فسيقود إلى نتائج مرضية لسورية والشعب السوري على صعيد إنهاء ملف التنظيمات الإرهابية في الشمال، وفي الوقت نفسه يوفر على الدولة السورية في المرحلة الحالية على الأقل مشاق الدخول في عمل عسكري بري واسع في المنطقة وهو أمر مكلف مادياً وبشرياً على وجه الخصوص.
الثاني: هو المطالبة بحصر الوجود التركي الاحتلالي في عفرين وجرابلس والباب وهذا يتطلب تقليص رقعة انتشار نقاط المراقبة التركية التي أنشأها النظام التركي بذريعة تطبيق اتفاق «تخفيض التصعيد» وبشكل رئيسي الجزء الغربي من منطقة «تخفيض التصعيد» المتمثلة بجسر الشغور وجبال التركمان وصولاً إلى ريف حماة الغربي والشمالي، بما يسمح بشن عملية عسكرية من قبل الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة في تلك المنطقة، من دون حدوث تصادم مع الجانب التركي، وهذه العملية ستضمن توجيه ضربة قاسية لتنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي والتنظيمات الأخرى التابعة له كـ«الحزب الإسلامي التركستاني»، كما سيضمن تحرير مناطق مهمة بحيث يتم رفع خطر القذائف الصاروخية عن محافظة اللاذقية وزيادة الحماية لقاعدة حميميم العسكرية في المحافظة.
تشكيل اللجنة الدستورية هو التحدي الثاني الماثل أمام محادثات «أستانا 12»، ويبدو أنه بات أمراً ملحاً أكثر فأكثر خصوصاً مع الجولات الدبلوماسية التي سبقت جولة أستانا الحالية، فالممثل الخاص للرئيس الروسي في سورية، الكسندر لافرنتييف الذي زار السعودية وسورية خلال ساعات معدودة، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي انتقل بين دمشق وأنقرة، وما سبق ذلك من تأكيدات روسية على أن تشكيل اللجنة الدستورية شارف على الانتهاء، يترك مدلولات على أن احتمالية إعلان تشكيلها بات قاب قوسين أو أدنى، ولكن قد يكون الإعلان عنها من جنيف مراعاة لحساسية طبيعة ضامني أستانا، روسيا وتركيا وإيران، بالنسبة لدول أخرى كالسعودية وأميركا، خصوصاً مع عدم النجاح في ضم دول جديدة إلى جولة أستانا الحالية، مما قد يجعل إعلان تشكيلها يخرج من جنيف المكان المقرر عقد اجتماعاتها فيه.
إن التوافق من عدمه على الملفين السابقين هو ما سيكون محدداً لعملية أردوغان العدوانية على منطقة شرق الفرات ولما تسمى «المنطقة الآمنة» المزمع إقامتها من قبل تركيا وأميركا على الحدود الشمالية للبلاد، إذ إن التوافق في أستانا يعني تفرغ النظام التركي لمنطقة شرق الفرات وإمكانية شن عدوان، على حين إن عدم الاتفاق يعني عودة النظام التركي إلى مربع التوافقات مع أميركا حول شرق الفرات وبشكل خاص «المنطقة الآمنة».
إن النظر إلى طبيعة التعاطي الروسي مع الجانب التركي بخصوص الملف السوري منذ بدء الأزمة السورية حتى الآن وعلى وجه الخصوص مجريات جولات «أستانا» الـ11 السابقة ولقاءات القمة بين رؤساء الضامنة، بالإضافة إلى حالة عدم التوافق التي كانت سائدة حتى عشية القمة، تترك الاحتمال الأكثر قابلية للتبلور في «أستانا 12» هو حالة عدم التوافق مع مواصلة من قبل الضامن التركي باللعب على عداد الوقت، عله يستطيع أن يحدث خرقاً ميدانياً في قادم الأيام.