ثقافة وفن

في اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف … الكتاب تربع على عرش المعرفة أزماناً طويلة لكنه أصبح يشتكي الهجران والنكران

| وائل العدس

في يوم الغد، يحتفي العالم باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، مع التركيز على أهمية تعزيز لغات الشعوب الأصلية وحماية تلك اللغات باعتبارها متجهاً للمعرفة، وقدرة الكتاب على جمع الناس حول قصة واحدة أو تراث مشترك مع الكشف عن خصائصهم من طريق الثقافة والهوية واللغة.
في هذا اليوم يتم عمل شراكة وتكاتف بين دور النشر والمكتبات وروابط المؤلفين والمعاهد الثقافية وغيرها من مختلف البلدان من أجل التشجيع على القراءة والترويج لها، ويخصص في هذا اليوم احتفال بالأشخاص ذوي الإعاقة والمكفوفين لأنهم يواجهون صعوبة في القراءة، بسبب أن نسبة الكتب التي تتناسب مع حالتهم والتي تكون على طريقة بريل أقل من 10 بالمئة من إجمالي الكتب الموجودة في السوق، وتصل النسبة إلى 1 بالمئة في الدول النامية وفقاً لإحصائيات الاتحاد العالمي للمكفوفين، كما يتم اختيار مدينة لتكون عاصمة للكتاب في كل عام.
وأعلنت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 وذلك بناء على توصية من لجنة استشارية اجتمعت في مقرّ الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات في لاهاي.

تاريخ رمزي
يعد 23 نيسان تاريخاً رمزياً في عالم الأدب العالمي، ففي هذا التاريخ من عام 1616 توفي كل من ميغيل دي سرفانتس ووليم شكسبير والإينكا غارسيلاسو دي لافيغا.
كما يصادف يوم 23 نيسان ذكرى ولادة أو وفاة عدد من الأدباء المرموقين مثل موريس درويون وفلاديمير نابوكوف وجوزيب بلا ومانويل ميخيا فاييخو.
وحسب ما نشره الموقع الإلكتروني الرسمي للأمم المتحدة، فإن الهدف من اختيار هذا التاريخ خلال مؤتمر اليونسكو العام الذي تم عقده في العاصمة الفرنسية باريس عام 1995، كان تشجيع الناس من مختلف دول العالم على القراءة ونشرها بين الجميع، وبشكل خاص بين الشباب، إضافة إلى تشجيع ما اعتبرته المنظمة «استكشاف المتعة من خلال القراءة»، وتجديد الاحترام لمنجزات هؤلاء الذين مهدوا الطريق للتقدم الاجتماعي والثقافي للإنسانية.
وعليه، فكان من البديهي جداً، أن تقوم الـيونسكو باختبار هذا التاريخ، ليكون «اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف»، حتى يعبّر عن الكتّاب والمؤلفين، وأن يكون بمنزلة احتفال وإحياء ذكرى لكل هؤلاء الذين لم يرحلوا عن عالمنا قبل أن يتركوا لنا الكثير من المعرفة والجمال حتى تقرأه عشرات الأجيال من بعدهم، فتظل قلوبهم وعقولهم بين أيدينا في دفتي كتاب.

من فوائد القراءة
يمكن أن تساعد القراءة بصورة كبيرة على التعرض للكثير من الكلمات والمصطلحات بحيث تشق طريقها وتفرض نفسها ككلمات معتبرة في مفردات الشخص، كما يمكن أن تساعده في عمله في أي مهنة، حيث إنها تزيد القدرة على التحدث بصورة سليمة مع الشعور بالثقة بالنفس ما يشكل دفعة قوية في زيادة التقدير الذاتي والتطور المهني، إضافة إلى ميل الأشخاص الذين يمارسون القراءة بانتظام للحصول على ترقيات العمل بسرعة بسبب اكتسابهم القدرة على التعامل مع الأمور المختلفة بصورة أكبر من الذين لا يقرؤون ويمتلكون القليل من المفردات المتنوعة.
كما يعد تطوير التفكير النقدي من أهم فوائد القراءة؛ حيث إن ممارستها باستمرار تساعد الشخص على التفكير في المعلومات وعرضها على عقله لمعالجتها وزيادة قدرته على تحليلها بصورة غير متوقعة من خلال القيام بالتقييم النقدي لها، لذا فإن الشخص كلما قرأ أكثر تعمق في فهم الأمور المختلفة وتطبيقاتها في الحياة.
وتكمن فائدة قراءة الكتب في تطوير التعاطف لدى الشخص القارئ، حيث تشير بعض الأبحاث إلى تطوير المزيد من التعاطف لدى الأفراد الذين يعتادون قراءة القصص المكتوبة لأنهم يجيدون مع الوقت تفهم الناس والتعاطف معهم، حيث إن الخيال يأخذهم للشعور بمشاعر الآخرين، والتعمق بتجارب الناس وأفكارهم والإحساس باختلافهم عنهم، وقد يساعدهم ذلك في تجنب تقييم الآخرين بصورة قاسية والابتعاد عن الحكم السلبي عليهم.
وتعتبر القراءة من أكثر الأمور التي تساعد على اكتشاف الكون الكبير بكل تفاصيله الكثيرة، ومن أفضل الطرق التي تساهم في بناء المعرفة وزيادة المعلومات حوله، كما أن الكتب ملأى بالخبرات التي يمكن اكتسابها بسبب التجارب المختلفة التي تم حصولها سابقاً في هذه الحياة في مختلف نواحيها، إضافة إلى أن الكتب تمثل نافذة للروح حيث إنها تدفع القارئ للتعاطف مع المؤلف ورؤية العالم من منظوره الخاص.
وبقراءة الكتب سيثري القارئ عالمه الفكري، وسيرى الأمور بوجهات نظر مختلفة، وسيجد أن الكتب الفكرية أو حتى الأدبية تعرض له الكثير من الأفكار المتناقضة التي لن يقرّها بالضرورة، لكنه مع الوقت سيصل إلى مرحلة يتقبل الاختلاف بصدر رحب، وسيرتفع بالضرورة وعيه للعالم المحيط به، وسيقرر الجانب الفكري الذي يتبنّاه.
أما الجمل التي سيقرؤها القارئ ستتشكل في دماغه كصور حيّة، هذه الصور مع الوقت ستصير أكثر إبهاراً، فحتى أروع الأفلام لن تكون قادرة على مجاراة الخيال البشري، ولطالما قال الناس إن الرواية أجمل من الفيلم، وهذا لأنهم يترجمون كلمات الكتب كلاً بشكل مختلف وأجمل وأكثر ابتكاراً، والكلمات التي يحصل عليها القارئ من الكتب لن تقرأ ككلمات في الدماغ، فالدماغ أكثر معامل الصُور إبهاراً.
ويحصل القارئ بالقراءة على ما يجهله، فهي مصدر التعليم الأول لأي كان، فلا أفضل من الكتاب لتعلم العلوم على اختلافها، فأنت بالكتب تستطيع تعلّم كل شيء عن مكان ما أو عن علوم الطبيعة والبيولوجيا واللغة والعلاقات العامة والتاريخ والأديان أو أي أمر كان.
إن بعض الكتب كالروايات مثلاً وحتى الفلسفية والتوثيقية والتاريخية تمتص من القارئ قدرته على الرفض، وتجعله يقتنع بوجهة نظر كاتبها، فالكتاب قادر على جعل القارئ يتبنى شخصاً كأحد العظماء من قراءة سيرته.
كما تستطيع الكتب وهب القوة للاستمرار، فكتب تعزيز الذات، والثقة بالنفس هدف لكل من يشعر بصعوبة الحياة والاستمرار فيها، وبعض الكتّاب اتّخذ هذا النوع من الكتابة هدفاً له.
وكذلك بالكتب تعزز القيم الجيدة، وتُنبذ القيم السيئة، وتحارب الشرور، وتدعم الخير، طريقة سهلة لنبذ الكذب، وتعنيف من يفكر بالأذية، بالكتب يستطيع القارئ أن يجد عالماً يكره المكروهات ويؤيد المحمودات ليزرع في قلب المتلقي الأخلاق، فالكتاب هو المعلّم الأول للأطفال والكبار. وبالكتب سيتعرف القارئ على تجارب الآخرين، يتعلم منها ما لم يتعرض له في الحياة الواقعية، فهي بديل جيد لتلقي الدروس فتقي القارئ من مجابهة التجارب الفاشلة، فهي تعلمه حل المشاكل بنفسك عند المرور بها بعد ذلك.
ومع مرور الوقت سيجد القارئ أن الكتاب أفضل صديق ولن يندم على وقت قضاه في قراءة كتاب مهما كان رأيه به.

أسئلة مشروعة
لماذا لم نحتفل باليوم العالمي للكتاب؟ لماذا مر علينا هذا اليوم مرور الكرام؟ لماذا لم يؤبه له؟ ألا يستحق منا الكتاب وقفة تكريم وتبجيل نظير ما قدمه لنا وما زال من شتى أنواع المعرفة؟ ألم يكن الكتاب المصدر الأول والمنهل العذب لطالب العلم؟ لماذا هذا الجحود والنكران لمن كان خير جليس لنا في الزمان؟
إن الكتاب تربع على عرش المعرفة أزماناً طويلة وكان له اليد الطولى في نشر المعرفة والعلوم المختلفة، كان المنهل العذب يستقي منه الناس مختلف فنون العلم، كان محل تقدير وإعجاب الباحثين عن المعرفة، أنيس الأدباء والقراء على حد سواء، كانت له صولات وجولات في شتى المجالات، وفجأة تغير الأمر برمته وتحول الكتاب إلى مجرد قطعة أثاث صماء لا روح فيها تركت مهملة في زاوية من زوايا البيت، فقد قيمته المعنوية والحسية، وأصبح يشتكي الهجران والنكران من أولئك الذين كانوا يتسابقون على اقتنائه ويخطبون وده، وبات يتساءل عن السبب، هل التقنية الحديثة هي السبب أم إن الناس صرفوا عنه بملهيات جديدة ظهرت لم تكن موجودة من قبل أم إن الناس تغيرت نظرتهم تجاه الكتاب؟
مهما كان السبب فسيبقى الكتاب صاحب الفضل الأول في كل أنواع التقدم المعرفي في عصرنا الحاضر، وسيبقى موضع تقدير من لدن محبيه ما بقي الزمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن