يعلم المنصفون من الإخوة الأكراد أنني كنت دائماً من المعجبين بثقافتهم والمطالبين بإعطائهم كامل حقوقهم كمواطنين سوريين، وقد سبق لي أن سمحت لنفسي أن أُذَكِّرَ العقلاء منهم عبر هذا الركن بأن أميركا قد تخلت عن كل السياسيين الذين وثقوا بها وسلموها كل أوراقهم، عندما لم يعد بوسعهم خدمة مصلحتها أو الإضرار بها! والحقيقة أن عدد ضحايا «الصداقة» الأميركية يزيد على عدد الأعوام التي مضت منذ أن أعلنت أميركا استقلالها في الرابع من تموز 1776، ومن أبرز ضحايا «الصداقة» الأميركية الزعيم الكردي مصطفى البرزاني؛ فعندما رتبت أميركا الاتفاق بين شاه إيران وصدام حسين في الجزائر عام 1957، وتركت الأكراد مكشوفين تحت رحمة صدام، استنجد مصطفى البرزاني بأميركا صائحاً: «لماذا تخليتم عنا فنحن حلفاؤكم؟» فأجابه كيسنجر: «على الأكراد أن يعوا حقائق الحياة، أن أميركا دولة عظمى لها مصالحها وليست جمعية خيرية».
وقد كادت أميركا مؤخراً أن تلقن الأكراد الدرس نفسه لولا ضغوط الدولة العميقة في أميركا التي تهمها هيبة إمبراطورية الشر الأميركية كما يهمها استمرار عدم الاستقرار في المنطقة لضمان استمرارها في نهب خيراتها على أهون سبيل!
لقد سبق لي أن كتبت في هذا الركن أن كلمة «أزمة» في اللغة الصينية تتكوَّن من مفردتين هما «Wet-ji» أولاهما تعني «خطر أو أزمة» والثانية تعني «فرصة» والحق أن هذا التوصيف ينطبق على أزمة بلادنا كما على كل الأزمات في كل البلدان، فهناك خطر حقيقي علينا وعلى وطننا عندما يتمكن الغرباء من خلال أموالهم وأدوات تأثيرهم من استمالة بعضنا للعمل ضد جوهر مصلحتنا ومصلحة بلادنا، وهنالك فرصة لنا كي نستفيد من هذه الأزمة لكشف كل الأخطاء في ممارساتنا تمهيداً لمعالجتها والتحرر منها.
والحقيقة أن أزمة الوقود التي تعانيها بلادنا نتيجة الحصار الأميركي الإجرامي، وبسبب استيلاء الميليشيات الكردية على أهم آبار النفط في سورية، تشكل فرصة ذهبية للعقلاء من الإخوة الأكراد كي يثبتوا وطنيتهم وانتماءهم لسورية.
أيها الإخوة عقلاء الأكراد، خلال الحرب الإجرامية التي شنتها الفاشية العالمية على سورية، أساء المغامرون والانتهازيون من متزعميكم إلى مكانة شعبكم المتميزة في نسيجنا الوطني السوري، إذ أظهروكم كما لو أنكم مخلب قط في يد إمبراطورية الشر أميركا وشركائها الصغار في لعبة الهيمنة العالمية.
أيها الإخوة عقلاء الأكراد، إن أميركا تتبع سياسة تقوية الضعيف كي يكون خادماً لمصالحها، وإضعاف القوي، كي ينشغل بمشكلاته الداخلية عن مقاومة عملية النهب التي تمارسها! لقد سبق لمتزعميكم أن جربوا تعليق آمالهم على وعود أميركا، فخذلتهم مراراً وتكراراً، فلم لا تجربوا تعليق آمالكم على شعبكم؟ اضغطوا على متزعميكم كي يضخوا النفط إلى مصافي الدولة السورية، وأنا واثق كل الثقة أن السوريين سيقدرون موقفكم هذا وسيحفظونه لكم في حَصَّالة التاريخ!
أيها الإخوة عقلاء الأكراد أرجو أن تكونوا قد وعيتم «حقائق الحياة» التي طلب كيسنجر من مصطفى البرزاني أن يعيها، كما أرجو أن تستخدموا عقولكم لتحويل أزمة الوقود التي تمر بها سورية الآن، من خطر على جوهر وجودنا معاً، إلى فرصة لبناء حياة حرة كريمة لنا معاً.
إنها فرصة من ذهب للعقلاء، وكلي أمل ألا تبددها رعونة المتزعمين العابرين ممن باعوا ضمائرهم بورق أخضر.