عالم موسوعي، ومؤلف ومحقِّق، وفقيه ظاهري اشتهر بالنحو، ولد عام 1909 في مدينة دمشق جاء والده إلى سورية مهاجراً من كشمير وتزوج من دمشقية، تيتم في صغره. ودرس في مدارس دمشق ثم انتسب لمدرسة الأدب العليا، وعيّن في سلك التعليم وانتدب للتدريس في المعهد العالي للمعلمين وتعلَّم بمدارس دمشق في المرحلة الابتدائية والإعدادية، ثم الثانوية في مكتب عنبر ودار المعلمين، تنقَّل بين عدة مدارس بدمشق، حتى استقر مدرساً في مدرسة التجهيز الأولى، ولما أُنشئت كلية الآداب بالجامعة السورية عُيِّن فيها أستاذاً مساعداً وتدرج في وظائفها حتى أصبح عميداً لكلية الآداب من عام 1961 إلى 1963م، ورئيساً لقسم اللغة العربية، ثم التحق بمدرسة الآداب العليا في الجامعة السورية. اختارت الندوة الشهرية الثالثة «قامات في الفكر والأدب والحياة» عنواناً باسم «سعيد الأفغاني علّامة النحو وأستاذه» بمشاركة كل من إبراهيم عبد اللـه وحسن مروة ومازن المبارك وإدارة الدكتور إسماعيل مروة في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق.
الاستعمار الثقافي واللغوي
الكثيرون لا يعرفون شيئاً عن الأستاذ سعيد الأفغاني وعن تحصيله وعلمه وطريقة تعامله لذلك كان الأجدر بالدكتور مازن المبارك التحدث في ذكرياته مع الأفغاني لنكون على بينة في كل قراءاته ومقالاته النقدية وتحت (بند ذكريات مع أستاذنا الأفغاني وعلمه) قال المبارك إن: «الحديث عن الأفغاني هو حديث ذكريات وكان يحتاج أن يجتمع كل يوم جمعة بعد الصلاة في جلسة مذاكرة علمية ومناقشات ثقافية أدبية وأحياناً في (المدرسة الأمينية القريبة من الجامع الأموي)، حيث كنت أراه كل أسبوع، وفوجئت في الصف الثامن عندما دخل علينا الأستاذ بمادة المحفوظات، وفي الجامعة درسنا مادة النحو. تنبه الأفغاني عندما كان طالباً إلى جهادهم وقيامهم بأعمال معجزة في اللغة العربية فكانت السنون العشرون معجزة خارقة كما عبر عنها الأفغاني، كانت خارقة بعد إعلان الاستقلال من الاحتلال التركي، وبعد ثلاثة أشهر كان يوجد سبع لجان لتعريب اللغة فقد رحل الأتراك والعسكر وخلفوا ما هو أمر من العسكر وهو الاستعمار الثقافي واللغوي. وذهبت جيوشهم وبقيت لغتهم على لسان أهل دمشق، خلال 20 سنة استطاع المجمعيون والجامعيون قلب الحياة العربية في دمشق من تركية إلى عربية لأنهم رفعوا شعاراً واحداً هو(تحرير الوطن لا يتم إلا بتحرير الإنسان. وتحرير الإنسان لا يتم إلا بتحرير اللسان) وأن علامة الاستقلال الصحيح هو سيادة اللغة الوطنية في البلد».
وأضاف المبارك إن: «ما تحقق في العشرين سنة في الشام يعد معجزة من الخوارق لا من المعجزات. ومنهج حياة الأفغاني الذي نشأ منذ أن كان شاباً لم يتغير شعرة واحدة طول حياته. فهو رجل صاغه الإيمان وصاغه الحب للعربية بشكل لا يتصور فقد كان يقول أشكر الله لأنني وعيت في جو أصحاب يتنافسون على خدمة العربية، فقد أحب العربية حباً عجيباً وكرس حياته لها. وكان قد صرف همته لها تدريساً وتأليفاً طوال عمره، وكان من خلقه الصلابة والصدق والأمانة وحب الصراحة والجرأة ما كان في قلبه على لسانه، وكثيراً ما كان هذا المنهج يؤذيه. وهو صاحب أخلاق علمية، قليل ما يتمتع بها غيره، تطغى عليه صفة النحو التي غلبته وكتب المؤلفات في غير النحو كتباً (كأسواق العرب) لا تزال لغاية الآن أفضل مرجع في موضوعها، كتب كتباً كثيرة. وتأثر الأفغاني بابن حزم الأندلسي وأحبه حباً عجيباً».
صفة الوجوب
وتحت بند سعيد الأفغاني وعلم القراءات القرآنية أكد الدكتور إبراهيم عبد الله أنني: «سبق أن قدمت بحثاً عنوانه (موقف الأفغاني من العلاقة بين القاعدة النحوية والقراءة القرآنية)، ونشرت رأيه في الاحتجاج في القراءة القرآنية وكان له مواقف استند فيها على عدة أمور انتهى إلى أن جعل بعض القواعد النحوية التي تأخذ صفة الوجوب إلى أن أعطاها صفة الجواز وهذا أمر مهم جداً في النحو بين قول يجب وقول يجوز، ورأيه أن تخضع القاعدة النحوية للقراءة القرآنية ولا أن تخضع القراءة القرآنية للقاعدة النحوية وهو في ذلك ليس أتياً بجديد وإنما مسبوق بعدد من النحويين».
العمق في الفكر
وفي نتاج الأفغاني ومقالاته وأبحاثه أضاء الدكتور حسن مروة على رحلته مع كتاب سعيد الأفغاني التي أرادت ابنته الوحيدة جمع أوراقه في كتاب تخليداً لذكرى والدها. قائلاً: «يمتاز الأفغاني بالعمق في الفكر والتنوع في الثقافة وامتلاك لناصية اللغة، قيم عديدة تميز بها الكاتب ومنها دفاعه عن اللغة العربية وحرصه على سلامتها التي كانت بالنسبة له لغة جامعة يقرؤها ويكتبها ويستمع إليها الملايين، إضافة إلى عدالته في الأحكام فكان متسامحاً فيما لا يقدح في دين أو ينتقص من اللغة، وحرصه على الوقت فكان وقته ثميناً وأيامه مملوءة بالجد والعطاء، ومناوأته لأعداء الأمة من غربيين وصهاينة، فالأفغاني حر التفكير وصادق الحب لأمته وذكي الفؤاد في كشف مخططات الأعداء ومراميها، وجرأته في الحق كانت معاناته بأنه صادع وصداح بالحق، لا يخشى فيه لومة لائم ولعل هذا ما جرّ عليه بعضاً من الغمز واللمز والوحدة وقلة الأصحاب، أما عن خفة الظل والأسلوب الساخر على الرغم مما ترسخ في أذهان من رآه من صورة صارمة إلا أنه كان إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من سمات إيجابية، وجاداً وحازماً إلا أنه كان خفيف الظل لا يفوت فرصة يراها تحرك محاضرته وتجدد نشاط طلابه».
من مؤلفاته
«أسواق العرب في الجاهلية والإسلامية»، طبع سنة 1937م، و«الإسلام والمرأة» عام 1945م، و«من حاضر اللغة العربية في الشام»، «نظرات في اللغة عند ابن حزم»، «الموجز في قواعد اللغة العربية وشواهدها»، «في أصول النحو»، «الإسلام والمرأة»، «من تاريخ النحو».