قرار الولايات المتحدة الأميركية في الـ8 من نيسان الجاري، اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، والرد الإيراني عليه بإقرار مشروع قانون ينص على التعامل مع القوات الأميركية في المنطقة على أنها «إرهابية»، أدخل كامل المنطقة في حالة من التوتر.
الخارجية العراقية، وعلى لسان المتحدث باسمها أحمد الصحاف اعتبر في بيان له في الـ10 من نيسان الحالي، أن «المنطقة بحاجة إلى قرارات تسهم بتعزيز الاستقرار فيها وقرار الولايات المتحدة بشأن الحرس الثوري لا يأتي في هذا السياق». كذلك اعتبر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق الشيخ همام حمودي في الـ9 من نيسان الحالي، «قرار ترامب بإدراج الحرس الثوري بلائحة الإرهاب هو حماقة لا تختلف عن قراراته حول القدس والجولان»، وهو «محاولة لترضية الكيان الصهيوني، وإشعال الحرائق في المنطقة».
في الوقت الذي تحتاج المنطقة فيه إلى فترة من الهدوء بعد عاصفة داعش الإرهابية، تسعى الولايات المتحدة الأميركية من خلال تدخلها في شؤون المنطقة لتحويلها إلى ساحات حرب جديدة، باتخاذ جملة من القرارات المتتالية وغير المتزنة التي لا تصب في مصلحة شعوب المنطقة ولا أمنها واستقرارها، كاعترافها بأن القدس عاصمة الكيان الصهيوني، وبأن الجولان المحتل أرض عائدة لهذا الكيان، ثم لاحقاً إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، الذي ستكون له عواقب وخيمة وتداعيات خطرة على منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن وزارة الخزانة الأميركية سبق أن أعلنت في بيان صحفي لها في الـ6 من آذار الماضي، «إدراج حركة النجباء وقائدها الشيخ أكرم الكعبي على قائمة الإرهاب»، التي بحسب البيان «تحصل على تمويل من الحكومة العراقية التي لا تسيطر عليها».
الحكومة العراقية وكل القوى السياسية العراقية الفاعلة، عبرت عن «قلقها إزاء التطورات والتصعيد في الموقف الأميركي في قضايا القدس والجولان والحرس الثوري الإيراني»، داعية إلى «اجتماع عاجل للرئاسات الثلاث والقيادات السياسية لدراسة تداعيات هذا التصعيد الخطير»، وإلى «ضرورة العمل على تجنيب العراق التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية لقرارات رعناء كهذه».
وحده النائب السابق والأمين العام لحزب «الأمة العراقية» مثال الآلوسي، شذ عن المواقف الرسمية والسياسية العراقية من القرار الأميركي، الذي تعاقبت الصحف الخليجية والمواقع الممولة من قبلها على نشر بيانه وإبرازه، حيث قال في بيانه المطول في الـ10 من نيسان الحالي: «باسم العراقيين الأحرار والمواطنين الأشراف وباسم سيادة العراق وحرية شعبنا في دولة عراقية مدنية دستورية ديمقراطية، نعلن ترحيبنا وتفهمنا وتأييدنا لقرار الولايات المتحدة الأميركية المهم في منع الهوس والشعوذة والتمدد العدواني للنظام الإيراني والشبكات المسلحة الإرهابية التابعة للحرس الثوري الإيراني، لأجل حماية كرامة العراق وسمعة نظامنا السياسي وسمعة الرئاسات العراقية الثلاث من تهمة التجنيد والتبعية للأهواء والنزوات الإيرانية»، مطالباً «النظام الإيراني بالتوقف عن التدخل السافر في الشؤون العراقية والمنطقة حفاظاً على أمن الشعب الإيراني أيضاً، البريء من تلك التصرفات الإرهابية العدوانية لنظامه».
مثال جمال حسين أحمد الآلوسي، يحمل الجنسية الألمانية، وكان عضواً في حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه الراحل أحمد الجلبي، ورئيساً لهيئة اجتثاث البعث عام 2003، إلا أنه عزل من منصبه في الهيئة وطرد من حزب المؤتمر الوطني بعد أن قام في العام 2004 بزيارة إسرائيل، فأسس حزب الأمة العراقية وتمكن من الفوز بمقعد في الانتخابات النيابية في كانون الثاني 2005، إلا أن المجلس النيابي في الـ14 من أيلول 2008 صوت برفع الحصانة النيابية عنه، ومنعه من حضور جلساته، إضافة إلى إقامة دعوى قضائية بحقه بسبب زيارته إسرائيل مرة ثانية في 2008، وفي أول حديث صحفي للآلوسي خص به صحيفة «الشرق الأوسط» في الـ13 من أيلول 2008 وهو في طريق عودته من إسرائيل إلى بغداد، قال: إن «إيران تشكل خطراً حقيقياً على العراق أكثر من إسرائيل، لا بل إسرائيل غير موجودة في محيط العراق وبالتالي هي لا تشكل خطراً أمنياً على العراق، على حين تشكل القاعدة الجهل وإيران أكبر خطر على العراق».
مثال الآلوسي هذا وجه رسالة إلى رئيس جمهورية العراق برهم صالح في الـ13 من كانون الثاني 2019، قال فيها: «إنني أدعوكم إلى إخراج العراق من حالة الحرب المستمرة بين العراق وإسرائيل ولحد يومنا هذا، وضرورة التوقيع على وقف إطلاق النار، حالنا كحال جميع الدول العربية الموقعة على وقف إطلاق النار، إنكم بهذا ستمنعون وتحمون العراق وسيادته وأمنه وشعبنا من أي استعراضات للقوة بين النظام الإيراني والمليشيات المدافعة عنه في العراق وبين إسرائيل».
السفير الروسي لدى بغداد ماكسيم ماكسيموف، قال لموقع صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» في الـ8 من نيسان الحالي، وفق ما نقلته وكالة «فارس» الإيرانية: إن «أجهزة المخابرات الأميركية لم تكن لتتوقع أن ينتصر العراقيون على تنظيم داعش خلال 3 سنوات فقط في الوقت الذي كان مخططاً له أن يستمر 30 سنة على الأقل»، مبيناً أن «واشنطن تنوي تدمير العراق من جديد»، مشيراً إلى أن مشروع «عش الدبابير» الذي أطلقه جهاز المخابرات الأميركي (سي أي إيه) عام 2014 لم يحقق النتائج المرجوة منه وهم بصدد إطلاق عملية جديدة اسمها الرمزي «الربيع الأسود»، وأن «الفكرة الرئيسية من تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية ليست موجهة ضد الإيرانيين بل لإبقاء العراق ساحة حرب رئيسية في منطقة الشرق الأوسط ومنع الدولة هناك من الوقوف على قدميها»، مشيراً إلى أن «جهاز الـ«سي آي إيه» سيحاول خلخة الأوضاع الأمنية عبر استهداف المصالح الأميركية في العراق بواسطة خلايا نائمة وإلصاق التهم بالحرس الثوري الإيراني أو جماعات عراقية موالية له، الأمر الذي سيوجه ضربة لمساعي العراق وتهدئة الأوضاع بين الدول العربية وإيران».
المروجون للسياسات الخليجية والإماراتية في المنطقة، يرون أن «القرار الأميركي أنهى في الواقع سياسة الميوعة أو المرونة التي تتبعها حكومة عادل عبد المهدي في الوقوف على مسافة واحدة من المحور الإيراني والمحور الأميركي، وقطع الطريق أمام سياسة التوازن، ولم يعد أمام الحكومة العراقية سوى خيارين لا ثالث لهما، إما الالتزام بالقرار في حال أراد العراق البقاء جزءاً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وإما أن يرى أن علاقاته مع إيران أكبر، فإنه يتعين عليه الانسحاب من التحالف الدولي، لأن هذا القرار لم يُبقِ للعراق أي مساحة للمناورة بين المعسكرين المتصارعين»، وفق ما عبر عنه حيدر الملا القيادي في «ائتلاف الوطنية» الذي يرأسه إياد علاوي في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط» في الـ10 من نيسان الجاري.
إن الولايات المتحدة الأميركية التي تحمي قتلة الشعبين الفلسطيني واليمني وأمراء الذبح بالمناشير، رعاة الفكر الوهابي وحماته، الذين تعتبرهم أصدقاء وحلفاء، لا يمكن أن تكون مؤهلة لوضع من يتصدى لإرهابها ويقاتل داعش على أنهم إرهابيون، وهي لا تملك أي شرعية لذلك، عدا أنها لا تجرؤ على إغضاب نواب الشعب العراقي، حيث إن مشروع طردها من العراق ما زال إحدى أولوياتهم، كما أنها عاجزة عن إدامة بقائها في المنطقة والعراق، خاصة أن كل قواعدها ومعسكراتها بالأنبار وبغداد وصلاح الدين في مرمى العين.