يعد البروفيسور اليهودي الأميركي آلان ديرشوفيتش من أكثر الصهيونيين تشدداً في موضوع تحويل إسرائيل إلى أكبر قوة متفوقة من النواحي العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية على جميع دول المنطقة كشرط أساسي للمحافظة على وجودها في حالة الحرب أو التسوية، وصدرت له عدة كتب في هذه المواضيع مثل «أرض الميعاد وانتصار ومأساة إسرائيل» وكتاب «القضية ضد أعداء إسرائيل» وتاريخ موجز لولادة شعب من جديد.
وفي 21 نيسان الجاري كتب ديرشوفيتش في مجلة «ميدا» الإسرائيلية الصادرة بالعبرية تحليلاً تحت عنوان: «الخطوة الأولى على طريق السلام الحقيقي هي أن تكون إسرائيل في قمة القوة» يقول فيه: إن «التاريخ يبرهن على أن عدم امتلاك اليهود لقوة متفوقة دائمة سيجعلهم يتعرضون للأضرار ولعودة المواقف القديمة المعادية لهم، وهذا ما يجعل إسرائيل ملزمة بالمحافظة على تفوقها العسكري في هذه المنطقة المعادية بل وبزيادة هذه القوة أكثر فأكثر».
وهذا يعني أن هذه الإستراتيجية التي تنفذها إسرائيل عملياً بدعم من حلفائها الأميركيين لا يمكن للقيادة الإسرائيلية والأميركية التخلي عنها في الحرب ولا في التسويات بهدف فرض ضعف وخنوع عربي دائم يتيح لإسرائيل البقاء والسيطرة المستمرة على كل شعوب ودول المنطقة.
وهذا ما طبقته تل أبيب وواشنطن بواسطة كل حروبها حين عملت واشنطن على زيادة قوتها العسكرية بعد كل حرب شنتها إسرائيل على سورية ومصر وكذلك في التسويات السلمية حين فرضت إسرائيل شروطاً في تسوية كامب ديفيد مع مصر لمنع مصر من زيادة قوتها العسكرية، وحين طالبت بفرض شروط مماثلة على سورية مقابل الانسحاب من الجولان المحتل أو من أجزاء منه ورفضت سورية هذه الشروط.
فالقيادتان الإسرائيلية والأميركية تتبنيان مفهوماً مشتركاً للمحافظة على إسرائيل بصفتها أكبر «حاملة طائرات أميركية غير قابلة للغرق» بموجب ما يراها الجيش الأميركي، وهذا المفهوم تمكن الجيشان السوري والمصري في حرب تشرين عام 1973 من زعزعته مثلما تمكن الجيش السوري وحلفاؤه في المقاومة اللبنانية والفلسطينية من زعزعته بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 واستكمال ذلك بانتصار المقاومة عام 2000 وإجبارها إسرائيل على سحب قواتها من دون قيد أو شرط من جنوب لبنان.
فإسرائيل لم تستطع في حروبها فرض الاستسلام على العرب كما لم تقدم لها التسويات التي فرضتها على مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية فرصة تحقيق هذا الهدف حتى على شعوب هذه الأطراف، وما تطالب به إسرائيل هو المستحيل بكل المفاهيم.
وربما كانت غولدا مائير رئيسة حكومة إسرائيل أثناء حرب تشرين 1973 واضحة جداً في تحديدها لأهم شرط تريد فرضه لضمان بقاء كيانها حين قالت بموجب ما استشهدت به مجلة ميدا ونتنياهو: «إذا توقفت إسرائيل عن استخدام سلاحها فسوف تتوقف عن البقاء بصفتها إسرائيل، أما إذا سلم العرب سلاحهم فعندئذ تتوقف الحروب ضدها» وتسليم السلاح يعني بلغة واضحة عدم حيازة أي قوة مقابل إسرائيل التي ستكون صاحبة القوة الأكبر والوحيدة بل هو الاستسلام دون قيد أو شرط بلغة القانون الدولي للحرب والسلام.
ويبدو من طبيعة هذا المفهوم الإسرائيلي عملياً أن هدف إسرائيل من أي حرب تشنها هو نزع أسلحة الطرف الذي تشن عليه العدوان ومنعه من الحصول على أي سلاح وهو الهدف نفسه الذي ترمي إلى تحقيقه في أي تسوية «سلمية».
وتحقيق هدف كهذا يعني أنها لن تتوقف أبداً عن شن الحروب حتى ضد من عقدت معهم اتفاقية تسوية ووجدت بعد ذلك أنها لم تستكمل بقية أهدافها ضدهم وهذا ما فعلته مع الفلسطينيين الذين وافقت سلطتهم على نزع أسلحتهم وظلوا ضحايا لحروبها منذ عام 1993 حتى هذه اللحظة.
والسعي الإسرائيلي للتفوق العسكري على كل دول المنطقة يصبح بحد ذاته عدواناً غير مباشر على كل دولة سواء استسلمت هذه الدولة لإسرائيل أم لا لأن هدف هذا التفوق هو كما يقول ديرشوفيتش: «منعهم من العودة إلى مواقفهم المعادية لإسرائيل» وهذا يعني أن إسرائيل ستفرض في حالة التسوية أو الحرب على سلطات كل دولة منع عودة المواقف المعادية لها، وإذا عجزت عن تحقيق ذلك فإن «قوتها الأكثر تفوقاً» ستقوم بهذه المهمة، وهذا تماماً ما تفعله حين تطالب السلطة الفلسطينية بمنع التعامل مع المستوطنين والقوات الإسرائيلية بأي مظهر من مظاهر العداء، وحين تعجز السلطة تستخدم هي قوتها.
وهذا الدور الذي تمنح فيه إسرائيل لقوتها الحق بتنفيذه يستدعي بحسب الشروط الإسرائيلية أن لا تستطيع اعتراضه قوة هذه الدولة أو تلك لأنها غير موجودة أو فعالة أمام تفوق القوة الإسرائيلية على جميع دول المنطقة، وتسليم هذه الدول بإستراتيجية التفوق التي تعد أهم ركيزة في محاولة الهيمنة على كل دول المنطقة واستعباد شعوبها، وهذا ما يجعل الصراع مع إسرائيل صراعاً ضد استعباد شعوبها.