لا جديد تمخضت عنه الجولة 12 من محادثات أستانا، التي اختتمت في عاصمة كازاخستان نور سلطان الجمعة وشاركت فيها الدول الضامنة لهذا المسار روسيا وإيران وتركيا، ووفد من الحكومة السورية وآخر من الميليشيات المسلحة، لا بل كانت «المراوحة في المكان» هو العنوان الأبرز لها في جميع ملفاتها.
فعلى صعيد ملف اتفاق منطقة «خفض التصعيد» الواقعة شمال غرب البلاد، والتي تضم محافظة إدلب وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وجزء صغير من ريف اللاذقية الشمالي ويسيطر على معظمها تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي، على حين تسيطر ميليشيات مسلحة موالية للنظام التركي على أجزاء فيها، جاء في البيان الختامي أنه تم الاتفاق على «اتخاذ تدابير لخفض الانتهاكات في منطقة إدلب السورية» من دون تحديد هذه التدابير، ما يعني استمرار الوضع على الأرض على ما هو عليه من سيطرة لـ«النصرة» وميليشيات أنقرة، وإقرار بفشل جديد في تنفيذ اتفاق «سوتشي» الذي تم في أيلول 2018 بين موسكو وأنقرة ونص على إنشاء منطقة «المنزوعة السلاح» في محيط منطقة «خفض التصعيد» في الأراضي التي تسيطر عليها «النصرة» والميليشيات وسحب السلاح الثقيل منها ومن ثم انسحاب التنظيمات الإرهابية منها الذي كان من المفترض أن يتم في منتصف تشرين الأول الماضي وهو ما لم يتم حتى الآن بسبب تهرب النظام التركي الطرف الضامن للإرهابيين والميليشيات من تنفيذ الالتزامات المترتبة عليه بموجب الاتفاق.
الفشل في إقرار خطوات واضحة لتنفيذ اتفاق «سوتشي»، كان أيضاً من نصيب ملف تشكيل لجنة مناقشة الدستور، وهو ما عكسه البيان بالإشارة إلى أن المجتمعين سيعملون على تسريع العمل لإطلاق اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن بما يتماشى مع قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الذي تمخض عنه قرار تشكيل هذه اللجنة، وذلك بخلاف ما ذهبت إليه بعض التقارير قبيل انعقاد هذه الجولة من محادثات أستانا بأن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون يتجه إلى الإعلان عن تشكيل اللجنة خلال هذه الجولة، وذلك بعد تصريحات روسية سبقت الجولة بقرب الانتهاء من تشكيلها.
ما تضمنه البيان بشأن تشكيل لجنة مناقشة الدستور وقرار المشاركين عقد جولة مشاورات بشأنها في جنيف، يعكس استمرار الخلافات وعمقها بين جميع الأطراف، ويشير إلى إصرار كل من الأمم المتحدة والضامن التركي على التدخل في تشكيل القائمة الثالثة الخاصة بالمجتمع المدني، على حين تشدد دمشق على أن عملية التشكيل ليست من اختصاص الأمم المتحدة ولا أي طرف آخر وإنما هي مسؤولية السوريين وحدهم.
تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف بعد اختتام الجولة التي أكد فيها أن «نقاطاً عدة ما زالت غامضة» أسفرت عن إبطاء إنشاء اللجنة من دون إيضاح تلك النقاط، وإشارته إلى أن الحكومة السورية والميليشيات المسلحة والجهات الداعمة للطرفين يمكن أن تتفق على تشكيل لجنة دستورية «في الشهور المقبلة»، وأن دبلوماسيين روساً وإيرانيين وأتراكاً سيجتمعون مع مفاوضين من الأمم المتحدة في جنيف لمناقشة الأمر مجدداً، تؤكد حجم الخلاف الكبير بشأن تشكيل هذه اللجنة، وهو أمر أوحت إليه تصريحات لبيدرسن الذي شارك في هذه الجولة، كأول اختبار له في الملف السوري، والتي قال فيها: إنه «من الصعب القول إننا أصبحنا قريبين من الحل».
وإذ أكد البيان «ضرورة مواصلة العمل على تقديم المساعدة الإنسانية لجميع السوريين في كافة أراضي البلاد»، وشدد على «ضرورة تهيئة الظروف المناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين السوريين وتقديم الدعم الدولي لهذه العملية»، إلا أن ما تضمنه بهذا الخصوص جاء في إطار العموميات من دون تحديد تدابير معينة تلزم الدول بتوفير الظروف المناسبة لعودة هؤلاء اللاجئين، بعد أن اتخذت تلك الدول ومن بينها تركيا ودول غربية أخرى من هذا الملف وسيلة لممارسة الضغط السياسي على دمشق.
خلاصة القول، مع إخفاق الجولة 12 من محادثات أستانا في إلزام النظام التركي بتنفيذ التزاماته بموجب اتفاق «سوتشي» الخاص بإدلب، وعودة جميع المناطق المشمولة بمنطقة «خفض التصعيد» شمال غرب البلاد إلى سيطرة الدولة السورية، ومواصلة البعض من رعاة هذا سياسة المرونة معه، وإصرار الأمم المتحدة على التدخل في تشكيل اللجنة الدستورية، يبدو أننا سنشاهد نسخاً كثيرة من محادثات أستانا من دون أن نرى حلولاً في القريب المنظور.