هل تقرأ أفكاري مثلاً؟ ما الذي يحصل بيننا؟ هل من الممكن أن يكون السبب أنك قريب من عائلتي أو أن هناك حباً بيننا؟
تلك أسئلة غريبة تدور في محور تفكيرنا تاركةً خلفها مغريات كثيرة من الأجوبة بعضها يشفي وبعضها لا يدخل في منظومةِ التفكير والإدراك، وبعضها يُسند إلى الصُدف وهرطقةِ المُعتقدات والأفكار، تلك الحادثة عزيزي القارئ قد تحدث معك كل يوم، أو كل ساعة، أو في لحظاتٍ معينة، بعضها يحدث من دون استئذان منك، فيأخذك بغتةً وعلى حين غرّة، وبعضها يكون مع تخطيط وسبق إصرار منك ومن مكامن عقلك الفخم.
قد تصادف فلاناً من الناس فتتأمل وجهه قليلاً.. تضع عينك في عينيه فترى حروفاً تنطق عن حاله.. وترى كلماتٍ تُحدثك عن أخبارهِ.. فتكاشفه بها لتتأكد أنك أصبت الحقيقة تماماً.
تفترض بعض النظريات أننا نتواصل مع بعضنا البعض بصورة لا إرادية، من خلال إرسال إشارات كيميائية، تمامًا مثلما تتواصل مجموعات النحل وأسراب الطيور، وقد ثبت أن البشر أيضاً يتبادلون لا إرادياً إشارات كيميائية، كما تعمل على تمييز صلات القرابة بين أفراد العائلة الواحدة، وكذلك تسهم في نقل الحالة المزاجية من فرد لآخر.
أتوقع منك عزيزي أنك عرفت ما الذي يدور عنه الحديث…
أجل أحسنت إنها «توارد الخواطر أو تداعي الأفكار»، ولكن تُرى ما سبب هذه الحادثة المثيرة وكيف تتم؟ ولماذا؟ وما تعريف العلم لها؟ وكيف ينظر الجانب النفسي إليها؟ وما رأيه فيها؟
اسمح لي صديقي أن آخذك في جولةٍ قصيرةٍ بين هذه السطور لعلي أوضح لك بعضاً من هذه الأسئلة.
كثيرٌ من قصص الخيال العلمي، وأشرطته السينمائية، تتناول توارد الخواطر بين دماغين، وكان لهذه الفكرة الخلابة موقع مميز لدى الإنسان على مرّ العصور، وفي معظم الحالات كانت تصنف فكرة الاتصال عن بعد في خانة السحر والروحانيات والأفعال الخارقة للطبيعة البشرية، وكانت دائماً من الأمور التي لا يتقبلها العقل وقد كان أول من ذكر ذلك هو أفلاطون، في كتاب الفيدون حيث قال: «ألا تعلم ماذا يُصيب العاشق إذا نظر إلى قيثارة معشوقه؟ إنه يعرف تلك القيثارة ويسترجع إلى نفسه صورة صاحبها».
وفي عام 1882، وضع الأكاديمي الإنكليزي «فريدريك مايرز» مصطلح توارد الأفكار وعرّفه بأنّه اتصال فكري بين دماغ ودماغ آخر أو عدة أدمغة أخرى من دون وساطة الحواس الخمس، وإليك التفسير العلمي كما أوضحته الدراسات عن كيفية عمل هندسة تخاطر الأفكار نوعاً ما على الشكل التالي: فقالت «إن هناك ذبذبات معينة تنتقل من عقل شخص ما ليستقبلها عقل الشخص الآخر اللاواعي وتخطر بباله على هيئة أفكار وكلمات وقد تكون حركات بسيطة، فمثلاً قد تكون جالساً مع صديقك وتشعران بالجوع باللحظة نفسها، تحدث أليس كذلك؟ هذا يعني أن أحدكما قد شعر بالجوع وأرسل شعوره لصديقه عن طريق الحبل الطاقي ولكن من دون أن يشعر بذلك»، وقد لاحظ الباحثون أن ردود فعل أنماط الدماغ لدى الأصدقاء عند مشاهدة بعض الأفلام، كانت متشابهة بشكل خاص في مناطق المخ المهمة للتحفيز والتعلم ومعالجة المشاعر وتخزين الذكريات، وعكست أنماط الدماغ نشاطاً واضحاً لدرجة يمكن استخدامها للتنبؤ، بمدى قرب الأشخاص من بعضهم البعض، وقد يختلط على البعض صعوبة التفرقة بين توارد الخواطر وبين التخاطر، فتوارد الخواطر هو أن أصل إليك فكرةً في عقل شخص آخر في الوقت نفسه، وذلك نتيجة قوة كهربائية وذبذبات تربط الأشخاص بعضهم بعضاً وكأن محيط تفكيرهم واحد، وقد تشعر في بعض الأحيان بأمر ما قد يحدث لحبيبك وسرعان ما تنسى الفكرة، وأيضاً سرعان ما تحصل بالفعل، فيُعتبر ذلك الشعور ناتجاً عن التخاطر والارتباط الشديد بهذا الشخص، ومن الممكن أن تقوم بالمرور من أمام شخص ما وتشعر وكأنك تعرفه وقابلته من قبل، هذا يرجع لسيكولوجية الإنسان لعلم التخاطر، الشعور بالآخر بأنه حزين أو سعيد أو هذا جزء من علم التخاطر، حتى يجعلك تندهش من هذا الموقف وتسأل نفسك ماذا حدث؟ ولكن علم التخاطر علم كبير جداً وأركانه كبيرة ويطول شرحه والحديث عنه، إليك عزيزي مثلاً آخر عن توارد الأفكار، تعال نأخذ التوءم بعين الاعتبار فهم يعتبرونه من أسمى علاقات التخاطر العقلي، لارتباطهم بقوة غريبة يشعرون ببعض حتى إذا كان كل واحد منهم في مكان آخر عن نصفه الثاني، وإذا أصاب أحدهم مكروه يشعر به توءمه، ويعتبر التوءم من أكثر الأشخاص الذين يمتلكون قوة ترددٍ عالية عن غيرهم من الأشخاص العاديين لترابطهم الفيزيائي والكهربائي العالي الذي يربطهم بكثرة عن غيرهم من الإخوة العاديين…. ولا أدري عن صحة هذه المعلومات، بأن البحرية الأميركية تستخدم هذه الظاهرة في نقل المعلومات بين الأساطيل وناقلات الطائرات، وربما يكون في ذلك مُبالغة، فأنا قرأته في أحد الكتب.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل هذه الأحداث مثل توارد الخواطر أو قراءة الأفكار عن بعد؟ هل تحدث بوعي وإرادة؟ أم إنها تومض في مجريات الحياة بشكل مفاجئ؟
معظم الكتب والأبحاث التي وصلتُ إليها تُشير إلى أن مثل هذه الظواهر لا يمكن تفسيرها علمياً، وكذلك لا يمكن أن تحدث بوعي عندما يُريد الشخص أن يستخدمها.
هل هناك أنواع لتداعي الأفكار وتواردها؟
يسند العلم نوعين لتوارد الأفكار:
أولها من الممكن أن يولد في ساحة شعورك محفز دماغي بشكل فطري وطبيعي، ناتج بذلك من خلال الرابط العاطفي بينك وبين الشخص المرسل إليه.
وثانيها من الوارد كما أوضح العلم أن يتم مع سبق إصرار وترصد بقصد التواصل غير اللفظي مع الدماغ البشري الآخر بأن تضع كل تركيزك على مخرجات ومدخلات الدماغ المقترح بالنسبة إليك، تحاول التواصل البصري أو اللفظي معه بغية الوصول إلى أفكار مشتركة وخواطر موحدة نوعاً ما، ولا أخُفيك سراً أن هذا النوع من التوارد ليس بالأمر السهل أبداً ويحتاج الكثير من التركيز ومحاولة الفهم لإشارات الدماغ المقترح في سبيل استقبال المعلومات وحصول المطلوب.
إن مثل هذه الظواهر الباراسيكولوجية ما زالت موضع دراسة لأشخاص متخصصين في مثل هذه الأنواع من السلوكيات، وربما ظهر في المستقبل أمور أخرى تُغيّر تفكيرنا في هذه المواضيع بصرف النظر عن العلم، فالبداهة تثير العديد من التساؤلات، فالأجوبة التي طرحتها الدراسات والأبحاث وغيرها من التفسيرات غير مقنعة لكثيرين، فالظاهرة الغريبة التي لا تخضع للمنطق العلمي، يختلف العلماء حول صحتها أو يرجعونها إلى الصدفة الفكرية العقلية مع أن بعض الشواهد تكون مقنعة لا يستطيع أحد أن يفسر كيف تمت، وإلى أن يتم تجميع المعطيات من العلماء يبقي التخاطر مسألة مثيرة.