سورية

معركة إدلب.. تباعد روسي تركي وتقارب بين أنقرة وواشنطن

| موفق محمد

منذ نحو أسبوع يشن سلاحا الجو السوري والروسي غارات هي الأعنف ضد التنظيمات الإرهابية وميليشيات مسلحة موالية للنظام التركي، في منطقة «خفض التصعيد» الرابعة في شمال غرب سورية، فيما يوحي أنه مقدمة لعملية عسكرية برية تهدف إلى استعادة الدولة السورية للسيطرة على تلك المنطقة.
بدء الغارات السورية الروسية المشتركة، حمل معه مؤشرات على خلافات بين ضامني «مسار أستانا» (روسيا، إيران، تركيا) الذي تمخض عنه اتفاق منطقة «خفض التصعيد» الرابعة في الجولة السادسة منه التي جرت منتصف أيلول 2017، وأكدت مراراً كل من موسكو ودمشق على أنه «مؤقت» ويهدف إلى إيجاد حل سلمي للمنطقة وتجنب إراقة مزيد من الدماء، وأن مصير المناطق المشمولة في الاتفاق (محافظة إدلب، أجزاء من ريف حماة الشمالي، وجزء صغير من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وجزء من ريف حلب الجنوبي الغربي) هو العودة إلى سيطرة الدولة السورية.
أولى المؤشرات على الخلافات بين روسيا وإيران وهما ضامني دمشق في «مسار أستانا» من جهة والنظام التركي ضامن الميليشيات المسلحة من جهة ثانية، أن هذه الغارات جاءت بعد أقل من أسبوعين من الجولة 12 من اجتماعات أستانا، التي صدر عنها بيان اقتصر على العموميات فيما يتعلق بإنهاء ملف منطقة «خفض التصعيد» الرابعة، واكتفى الضامنون بالإشارة فيه إلى أنه تم الاتفاق على «اتخاذ تدابير لخفض الانتهاكات في منطقة إدلب السورية» من دون تحديد هذه التدابير، ما يعني استمرار الوضع على الأرض على ما هو عليه من سيطرة تنظيم « جبهة النصرة» الإرهابي وميليشيات أنقرة، وإقرار بفشل جديد في تنفيذ اتفاق «سوتشي» الذي تم في أيلول 2018 بين موسكو وأنقرة ونص على إنشاء منطقة «منزوعة السلاح» في محيط منطقة «خفض التصعيد» في الأراضي التي تسيطر عليها «النصرة» والميليشيات وسحب السلاح الثقيل منها ومن ثم انسحاب التنظيمات الإرهابية منها الذي كان من المفترض أن يتم في منتصف تشرين الأول الماضي وهو ما لم يتم حتى الآن بسبب تهرب النظام التركي الطرف الضامن للإرهابيين والميليشيات من تنفيذ الالتزامات المترتبة عليه بموجب الاتفاق.
المؤشر الثاني، هو رفض الميليشيات الموالية للنظام التركي، تسيير الضامن الروسي لدوريات مشتركة مع الضامن التركي في مناطق التماس من المنطقة «المنزوعة السلاح» التي تسيطر عليها تلك الميليشيات والمجاهرة بذلك، ذلك أن تسيير تلك الدوريات كان من المفترض أن ينطلق مع بداية أيار الجاري، علماً أن تلك الميليشيات لا يمكن أن تقدم على الإدلاء بتصريحات كهذه إلا بتوجيهات من النظام التركي الراعي لها، الأمر الذي ترك استياء كبير لدى الضامن الروسي وعزز لديه الاعتقاد بأن الضامن التركي يلعب على مسألة الوقت ولا يريد إنهاء ملف هذه المنطقة.
المؤشر الثالث، هو تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد يوم من انتهاء الجولة 12 من اجتماعات أستانا خلال مؤتمر صحفي على هامش فعاليات منتدى «الحزام والطريق» أنه لا يستبعد إجراء عملية عسكرية في إدلب، وأن بلاده ستواصل محاربة الإرهاب في إدلب، وتحذيره الإرهابيين هناك من أنه في حال استمروا في تنفيذ هجمات، فإنهم سيواجهون رداً وسيتعرضون لضربات، والذي تبعه تأكيد آخر من وزير الخارجية سيرغي لافروف، بأن بلاده تسعى جاهدة لتحقيق الاتفاق بين روسيا وتركيا في ما يتعلق بحل مشكلة «النصرة» في منطقة «خفض التصعيد» في إدلب، وفي الوقت نفسه شدد على أنه «توجد حدود لأي صبر، ولا يمكن القبول ببقاء الإرهابيين في بعض مناطق سورية إلى الأبد».
المؤشر الرابع، هو غض النظام التركي النظر عن اكتساح «النصرة» للميليشيات الموالية له في العديد من المناطق المشمولة بمنطقة «خفض التصعيد» الرابعة، ودخول قواته إلى المنطقة تحت أعينها لا بل بمرافقة مسلحيها، ما يعني أن ما يجري يتم بالتنسيق لا بل بالاتفاق بين الجانبين، لتثبيت سيطرة «النصرة» على المنطقة، والتذرع بأنه تنظيم قوي ليس من السهولة التعامل معه.
المؤشر الخامس، هو تصعيد التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة بعد جولة أستانا الأخيرة من اعتداءاتها ضد المدن والبلدات والقرى الآمنة المحيطة بالمنطقة «المنزوعة السلاح» بجميع قطاعاتها، وسط تجاهل من قبل النظام التركي وعدم تحمله لمسؤولياته حيال تطبيق بنود اتفاق «سوتشي» الأمر الذي فسره مراقبون بأنه إجهاض متعمد للاتفاق.
المؤشر السادس، هو إعلان النظام التركي الذي عرف عنه سياسة اللعب على الحبال بالترافق مع الغارات السورية الروسية على منطقة «خفض التصعيد» الرابعة، أنه اقترب من التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن ما يروجان له من إقامة ما يسمى «منطقة آمنة» في شمال شرق سورية، في رسالة إلى روسيا التي رفضت الأمر واقترحت إعادة تفعيل العمل بـ«بروتوكول أضنة» الأمني بين سورية وتركيا المبرم في العام 1998.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن