قضايا وآراء

مشروع الدولتين و«صفقة القرن»

| د. يوسف جاد الحق

أعرف أن هناك من يخالفني الرأي فيما أذهب في هذه المسألة، ذلك أن دفقاً هائلاً من الكلام والقيل والقال في وسائل الإعلام العاملة على تسويق هذه اللعبة، مشروع الدولتين، على أنها حلم فلسطيني مأمول التحقق ليصبح للفلسطينيين دولة، كسائر خلق الله، متجاهلين ما يعنيه هذا الحل وما يخفيه وراءه من هدف، وما يعقبه من نتائج بعيدة الأثر إن لم نقل مصيرية بشأن قضيتهم كأرض وشعب.
لكيلا أطيل أبادر إلى القول إن مشروع حل الدولتين، إسرائيلية وفلسطينية، إن هو إلا أحد بنود ما سموه «صفقة القرن» العتيدة. ونحن لا نجافي الحقيقة ولا نعمد إلى المبالغة. إذا ما قلنا إنه من دون هذا المشروع لن يتمكن المتآمرون على قضيتنا من تمرير هذه اللعبة الصهيوأميركية التي ما انفكوا في الترويج لها، وإلباسها ثوباً فضفاضاً من الغموض المثير، وكأنها الترياق الذي سوف يحل للفلسطينيين والعرب مشكلتهم الأزلية مع العدو الصهيوني.
لكي تمر الخدعة الكبرى هذه تتظاهر «إسرائيل» برفضها لمشروع «حل الدولتين» تضليلاً وإيهاماً للشعب الفلسطيني بأن حلاً كهذا يضمن لهم قيام «دولة فلسطينية» إنما هو مكسب لهم، ولولا أنه كذلك لما رفضته، ومن ثم فإن علينا السعي إليه حثيثاً، والإصرار على تحقيقه، وبهذا نكون نحن بأنفسنا حققنا للعدو ما يبتغيه تماماً من دون أن ندري.
إذا ما تم هذا، وأعلن عن الدولتين «الجارتين حسب تعبير رئيس السلطة» هل يمكن لأحد أن يطالب «إسرائيل» المنتظر إعلانها «يهودية» بعودة فلسطيني واحد إلى أرضه التي هجِّر منها قسراً، فما بالك بالفلسطيني الذي ولد خارجها؟
ألم يصرح رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مؤخراً بقوله «إن من يطالب بالعودة، المرفوضة منا سلفاً، هو من ولد فيها قبل عام 1948 أما أبناؤه الذين ولدوا خارجها كيف يعودون إلى مكان لم يولدوا فيه أًصلاً»؟
وهو يعتمد في هذا على أن:
* الأولون قد لقي معظمهم وجه ربه، ومن تبقى منهم على قيد الحياة فما هي إلا أعوام قليلة قادمة وينتهي وجودهم، والأساليب الصهيونية الخبيثة الجهنمية كفيلة بذلك، وهذه المسألة على خير وجه فيما يخصهم.
* فلسطينيو الأرض المحتلة كذلك فإن «إسرائيل» كفيلة أيضاً بوسائلها الإجرامية بتصفيتهم، بالقتل، بالحصار، بالتجويع، بنشر الأمراض الفتاكة، بالسجن، بالتسفير القسري.
* هل لأحد أن يحاسبها بعد ذلك، على جرائهما بحق الفلسطينيين، وعرب آخرين، على مدى العقود السبعة المنصرمة، فضلاً عن أن يطالبها أحد بأملاكه وأمواله، وأراض اغتصبتها، ومصانع ومزارع، بل قرى ومدن بكل ما فيها عندما استولت على ذلك كله «ببلاش»، علاوة على قتل أصحابها أو إبعادهم؟ ثم، وفي آخر المطاف، ذهبت إلى تحريض العالم كله عليهم بوصفهم «إرهابيين» يقضّون مضجعها ويهددون وجودها.
* ماذا عن القدس، قبلة المسيحيين والمسلمين، عرباً وغير عرب، وهؤلاء معاً يشكلون ثلثي سكان الكرة الأرضية اليوم؟ ماذا عن الأقصى؟ وماذا عن كنيستي المهد والقيامة؟
* هل للفلسطينيين، بعد ذلك، وقد أصبح لهم دولتهم القزم، مجرد الحديث عن استعادة أرضهم «من النهر إلى البحر»؟ ما مصير هذا الشعار المطلب المقدس، والمرتجى طوال الزمن الذي مضى بأن يعاد الحق إلى أهله والأمور كلها إلى نصابها الصحيح؟
أما عن المجتمع الدولي، الضالع معظمه مع الصهيونية واليهودية العالمية، فسوف يكون جواب هيئاته ومؤسساته للمتحدث أو المتسائل حول ضياع فلسطين وحقوق أهلها نتيجة لهذا الحل، هذه دولة اليهود وهذه دولتكم الأمر الذي ارتضيتم وأقررتم فماذا تريدون بعد؟ ذلك هو الرد المنتظر عندئذ.
أما الأعراب المتصهينون، وبعض المسؤولين من الفلسطينيين، للأسف والألم والعار، فإن بينهم وبين «إسرائيل» وأميركا وبعض دول الغرب وشائج وعلاقات وصداقات ومصالح ضارة بهم أكثر منها نافعة، ما يصرفهم عن التفكير في المسألة بعد أن أراحهم «حل الدولتين» وفتح لهم الأبواب والطرق لملاقاة العدو علانية، وربما بفخر وابتهاج مهين! لقد بلغ بهم الهوان حد المشاركة في مناورات عسكرية تلاقى فيها طيارو العدو مع طياري عربان الخليج بمودة وحفاوة والأخذ بالأحضان، ترى من سيحاربون معاً الفلسطينيين ومحور المقاومة؟
هؤلاء الذين بلغ بهم الأمر حدّ التحالف مع العدو على إخوتهم العرب المفروض أنهم كذلك، ولسوف يباركون هذا كله بلا ريب.
خلاصة القول:
• إن مشروع حل الدولتين وقيام «دولة فلسطين» بلا أرض ولا سيادة ولا جيش ولا سياسة خارجية هو من الكبائر والخطايا الهادفة إلى تمرير «صفقة القرن» الحاملة معها «الحل النهائي» القاضي على فلسطين، ومحوها من الخريطة تماماً والمتبقي من شعبها مشتتاً ضائعاً في تيه لا نهاية له في دنيا المستقبل، هي شطب القضية الفلسطينية وتكريس لدولة يهودية «نقية» كما يقول الصهاينة بحيث لا يعود للفلسطينيين ذكر أو اعتراف بوجود في المحافل الدولية.
• إن على الفئة الواعية المخلصة من أبناء هذه الأمة، المتمثلة في حلف المقاومة، سورية وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ومعها الشعب العربي كله مواصلة العمل على إنجاز المهمة المقدسة، وهي تحرير فلسطين بالكامل، هي وحدها القادرة على إحباط المخططات والمؤامرات والمبادرات الهادفة إلى تحقيق «صفقة القرن» في نهاية المطاف. المقاومة هي الأمل الفلسطيني العربي المرتجى وهي المنتصرة أخيراً وفي نهاية المطاف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن