من دفتر الوطن

سؤال كل زمان!

| عبد الفتاح العوض

هذا موضوع إشكالي جداً..
وأبدأ به في هذه القصة.. يقال: إن أبا الحسن الأشعري سأل أستاذه أبا علي الجبائي: أيها الشيخ ما قولك في ثلاثة: مؤمن وكافر وصبي.
يقول الجبائي رداً على هذا السؤال: أما المؤمن فهو من أهل الدرجات في الجنة، والكافر من أهل الهلكات في جهنم، وأما الصبي فهو من أهل النجاة في الجنة بلا درجات.
يقول الأشعري: فإذا قال الصبي: إنه يريد أن يرقى إلى أهل الدرجات، فهل يمكن؟
يجيب الجبائي لا، يقال له: إن المؤمن إنما نال هذه الدرجة بالطاعة وليس مثلك.
يسأل الأشعري هنا فإذا قال الصبي: لو أحييتني «لو لم أمت صبياً» لكنت عملت من الطاعات كعمل المؤمن.
يقول الجبائي هنا: يقول له اللـه كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت ولعوقبت.
يقول الأشعري هنا فلو قال الكافر: يا رب علمت حاله كما علمت حالي فهلّا راعيت مصلحتي مثله و«أمتني صبياً».
هذه واحدة من الإشكاليات التي رافقت الفكر الإسلامي حتى في مراحله الأولى إلا أنها كانت مع وجود الرسول نقاشات دينية لها علاقة بالعقيدة.
فالرسول عندما قال لأصحابه: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقال بعض الصحابة: ففيم العمل يا رسول الله؟ هنا يجيب الرسول: اعملوا فكل ميّسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة.
وبعد ذلك ليس ثمة أسئلة أخرى حول الموضوع.
المسألة هنا ليست مجرد نقاش فكري في قضية إشكالية، ابن رشد يقول: إن مسألة الجبر والاختيار من أعوص المسائل لأن الأدلة فيها تتعارض وتتكافأ.
أي إن كل فريق يستطيع أن يقدم للفريق الآخر أدلة وبراهين من القرآن والسنة ما يؤيد رأيه.
لكن الإشكالية الأكبر عملية استثمار هذا الموضوع في كل الصراعات الأخرى.
ففي السياسة فقد استخدم هذا الموضوع منذ العصر الأموي عندما استخدمه خلفاء بني أمية في العمل السياسي وكرره العباسيون أيضاً.
الاستثمار السياسي لهذا الموضوع يتأتي من كون الخليفة هو «إرادة الله» وهذا ليس حكراً على الخلفاء المسلمين بل إن أوروبا عاشت هذه الفترة تحت عنوان «الحق الإلهي».
في الحياة الاجتماعية والاقتصادية يبرز هذا الموضوع في عملية التواكل، وإن كل الأشياء مرتبطة بإرادة عليا، وبالتالي التخلي عن «المسؤولية» أو التحلل من المسؤولية لأنها الأكثر راحة للنفس.
كل ما أوردته سابقاً لا أناقشه هنا من مرجعية دينية، فأنا لا أفقه كثيراً في هذا الشأن، ولست مؤهلاً لذلك، إنما أحاول أن أناقشه من زاوية فكرية وانعكاسها على السلوك العام للمجتمع.
فهل هي إرادة إلهية أن تبقى الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية في دائرة التخلف والجهل؟
وهل قدر هذه البلاد أن تبقى محل الصراعات والنزاعات؟
يبقى السؤال: لماذا تقدم الغرب وتخلف الغرب؟ واحد من الأسئلة التي لا علاقة لها بالقضاء القدر.

أقوال:
– حينما ينتهي قدري يمكن لنفخة ريح أو قشة أن تكسرني.
نابليون.
– على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
المتنبي.
– ولكن إذا حم القضاء على امرئ فليس له بر يقيه ولا بحر
الحمداني.
– نلتقي قدرنا غالباً في الطريق الذي نلجأ إليه هرباً منه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن