(حياتكم الباقية) تجمع ببساطتها الحياة من دون أي تجميل … سهير برهوم لـ«الوطن»: الأمور الواقعية حقيقية… ولن يتفاعل الجمهور معنا إلا بحديثنا عن همومه
| سوسن صيداوي ت: طارق السعدوني
تكمن الحقائق بالوقائع. الواقع ليس بجميل، فيه المرارة وفيه السعادة، به تعلو الضحكات وتلوح الانكسارات والخسارات، إذاً فهو واقع لا يتحمّل الإضافات. (حياتكم الباقية) جاء من صلب الواقع، ليخبر عن حالنا وأحوالنا مما عانيناه من أزمة تبعتها أزمات، عبر مشاهد جمعت بساطة متكاملة بكل العناصر ابتداء من الديكور إلى الإضاءة، إلى الانسيابية في افتتاحية المشاهد التي تقدم بمقاطع موسيقية لأغان معروفة، بهدف إضفاء جو طريف، مع الابتعاد عن كلاسيكية العرض المسرحي، هذا عدا المواقف الإنسانية المحزنة التي أثيرت بأغان- من كلمات وغناء عهد أبو حمدان، وتشاركه غناء ديمه زين الدين- تثير الانفعال المطلوب في النفس.
إذاً، (حياتكم الباقية) عرض يتوجه نحو الكوميديا السوداء، وهو من تأليف وإخراج سهير برهوم، وتمثيل: موفق الأحمد، ناصر الشبلي، جمال نصار، علي القاسم، فادي حموي، تماضر غانم، رشا الزغبي، جوري يوسف، سليمان قطان، روند فياض، إيمان عودة، والطفلين شادي جان وغسان رحال.
سهير برهوم
بداية انطلق حديثنا مع مخرجة العمل من عنوانه (حياتكم الباقية) مشيرة إلى أن هناك العديد من العبارات التي نرددها ربطا بمناسبة ما-تماما مثل عنوان المسرحية- وعبارة (حياتكم الباقية) التي نقولها في العزاء، فيها من الأمل وضرورة التمسك بالحياة، بمعنى أنه إذا فصلنا العبارة عن المناسبة، فالحياة هي الأبقى رغم كل الظروف، وهذا ما تتمناه المخرجة للجميع، مؤكدة أنه على المرء أن يناضل من أجل الحياة كي يحافظ عليها ويعيشها بكل تفاصيلها، وبالتالي كي يتمكن من إنتاج الزمن الذي يريده، وأيضاً المكان وبالتالي المستقبل. هذا وعن التدريبات واختيار(برهوم) للفنانين، وعن الصعوبات التي واجهتهم لكون رمضان الشهر الفضيل على الأبواب، الأمر الذي تطلب سرعة في البروفات والتدريبات. تتابع: «أشكر كلا من مديرية المسارح والموسيقا، وفريق عمل المسرحية من ممثلين وفنيين، على الجهود المبذولة لإنجاز المسرحية وفق زمن محدد يحكمنا، ما اضطرنا لتقليل عدد البروفات عما هو معتاد، كي يتم تقديم العرض قبل قدوم شهر رمضان المبارك. هذا وكما أن من أتعامل معهم هم ممثلون محترفون، ولهم باع طويل بالعمل المسرحي ولديهم تراكم خبرات ولم يغادروا المسرح يوما، كما أن العمل المسرحي هو عمل جماعي، وبالتالي نقوم بمناقشة التفاصيل، وأنا استمع لوجهات النظر، بالنهاية كي نصل جميعاً للصيغة المطلوبة». وعن الجمهور الذي يتابع العروض المسرحية تابعت مخرجة كل من الأعمال (أمّا بعد) و (ليلة الوداع): «في عرض مسرحية (أمّا بعد) كان هناك جمهور-رغم الظرف- وتأثر بالحالة وبموضوع العرض، ولكن ليس كالجمهور الذي يأتي إلى مسرح الحمراء ليتابع في الفترة الحالية عرض (حياتكم الباقية)، وهنا أشير إلى الظروف لكونها في فترة من الفترات كانت حاكمة ومقيدة للكثير من نشاطاتنا، ولكن الجمهور مع كل عرض من العروض المسرحية التي أقدمها يكبُر، وهذا أمر أنا أطمح إليه، لكوني أشجعهم على القدوم والمشاهدة من خلال المواضيع المطروحة».
أما عن الحركة الثقافية في سورية فتتابع سهير بروهوم: «على الرغم من أن الإمكانات المتاحة متواضعة، إلا أنني أتمنى من أن يبقى النشاط المسرحي فاعلا بشكل دائم، علما أن الحركة الثقافية لم تتوقف، والفعاليات كانت دائماً مستمرة رغم كل المعوقات وكل ما حدث، وهذا أمر يسجّل لوزارة الثقافة عبر نشاطاتها على كل الصعد، وحتى في الوقت الحالي نلاحظ أن المهرجانات المتنوعة هي متتالية وذاهبة نحو المزيد».
ختاما حول قيامها بالتأليف المسرحي سواء في العرض الحالي أو العرض السابق (أمّا بعد) تؤكد تمسّكها باختيار ما هو من عمق الواقع من صور وحالات نعيشها، فتقول: «أنا أصر على أن المسرح للناس، والمسرح لا يتحقق أو ينجح، إلا بتحقيق شرط هذه العلاقة، فمن هنا- وعن قناعة تامة- ما اختاره من مواضيع يجب أن يكون له علاقة بحياة الناس واحتياجاتهم، ولأنني أختار مواضيع من صميم الواقع، فأي متفرج يجد خلال العرض أمرا يلمسه بشكل شخصي. في النهاية أنا أحب أن أجسد الأمور الواقعية، لكونها حقيقية جدا، ولن يكون هناك تفاعل مع الجمهور وننجح في عروضنا المقدمة، إلا عندما نحقق المعادلة بأن يكون العرض من صلب هم الشارع السوري».
علي القاسم
بدوره حدثنا الفنان علي القاسم عن دوره في المسرحية، لافتا إلى التعاون المرن والقائم على تبادل الأفكار الذي جمعهم مع المخرجة برهوم، ليقول: «على الرغم من أننا نقوم بتشخيص الحالات على المسرح، إلا أننا كبشر عاديين، فنحن نعيش هذه الحالات بكل تفاصيلها، بمعنى أدق، أنا لا أجد نفسي غريبا عن تشخيص دوري في العرض، بل بصراحة تامة ما أقدمه في (حياتكم الباقية) يعبر تماما عني، من خلال مشاهداتي اليومية للمعاناة القاسية والواقعة على الجميع، سواء الأطفال الذين يتم استغلالهم، أو الأمهات التي بذلت أبناءها من أجل الوطن، أو من يقوم باستغلال الآخر ويتاجر بالبضائع من خلال رفع الأسعار كي يحقق لنفسه الأرباح. إذاً أنا أرى خلال (حياتكم الباقية) وأشعر كيف أنه في الأزمة التي مرّت على بلدنا، هناك أشخاص يدفعون الثمن، وأشخاص يقبضون الثمن». هذا وعن أهمية التدريبات والسعي الدائم لإغناء الموهبة، وجه القاسم رسالة للجيل الشاب الذي يسعى للتمثيل واعتلاء الخشبة، قائلا: «من أيام تخرجي أتذكر تماما، كيف كنا نأتي لنشارك في العروض المسرحية وخصوصاً على خشبة هذا المسرح-مسرح الحمراء-حيث كنا نقوم بمساعدة الفنانين الكبار وبتحريك الديكور-هذه كانت بداياتنا- من تلك الفترة تأهلنا كي نكون ما نحن عليه اليوم، ولولاهم لما استطعنا أن نعطي المسرح، وبالتالي أقول للجيل القادم، الحب هو أساس نجاح أي تجربة، وعلى الجيل الشاب من الساعي لممارسة العمل المسرحي من خريجي المعهد العالي، بداية أن يتبنوا المسرح ورسالته، وأيضاً المتابعة في تدريباتهم الصوتية والجسدية، والمثابرة على المطالعة وسماع الموسيقا، والاطلاع على كل التجارب الأخرى، كي يصلوا إلى حالة جميلة من العطاء، بعيداً عن الاكتفاء بالموهبة فقط، إذاً، عليهم بالمثابرة بما يغنيها بصقلها بشكل دائم».
ناصر الشبلي
على حين بيّن الفنان ناصر الشبلي والمثابر في العروض المسرحية بشكل دائم، سواء أكانت موجهة للأطفال أم الكبار، بأنّ الجمهور متابع للمسرح، ولم ينقطع عنه على الرغم من الظروف السابقة التي عانتها سورية، متابعاً: «منذ خمس وعشرين سنة حتى اليوم، لم يتغير شغف الجمهور السوري لمسرحه، فهو متابع له بكل نشاطاته سواء أكانت موجهة للأطفال أم الكبار، ولكن في الحقيقة ما يشجع الجمهور هو نوعية العروض المستقطبة، بمعنى كلما كان مستوى العرض جيداً، كلما غصت قاعة المسرح بالجمهور».
وعن دوره في (حياتكم الباقية) يقول: «أنا أجسد شخصية المختار، وهو رجل متقدم في السن ويعاني -هو ومن حوله- من نقص في سمعه، عبر الضغوطات التي في داخله لأنه منبوذ من زوجته ومحيطه بسبب سمعه، إلا أنه من معاناته يثير مواقف كوميدية، وهنا أحب أن أشير إلى نقطة، بأنني أحب جداً الأدوار الكوميدية، وأشعر بمتعة كبيرة في تقديمها، وخاصة أن الجمهور يستهويني فيما أقدمه».
وأخيراً ختم الفنان الشبلي حديثه بتوجيه رسالة حول أهمية المسرح مع تدارك ما يؤول إليه حاله من إساءة وعدم تقدير يقدم عليها الكثيرون، قائلاً: «ما آل إليه المسرح من وضع أمر مزعج، يقال عنه إنه أبو الفنون لأهميته في التأثير، ولكن نحن لا ندعمه ولا نقدم له ما يليق من إمكانيات، وحتى ولو كانت مادية، فهناك من سألني من المخرجين قائلاً (متى سنقدم عرضاً مسرحياً ولكن ببلاش)؟ أن يصبح هذا هو حال المسرح، وهكذا يتم التعاطي مع فكرة تقديم عروضه، هو أمر مخجل ومعيب».
سليمان قطّان
على حين بيّن الفنان سليمان قطّان أنه يجسد في العرض دورين، الأول لشخصية شرطي، والثاني لشخصية شيخ، ولا تخلو الشخصيتان من إثارة الحزن أو الكوميديا، الأخيرة التي يجدها حالة جميلة وضرورية في العروض، ما دامت هادفة وبعيدة عن التهريج، متابعا «باعتبار الفن هو مرآة للمجتمع فعلى المسرح أن يخدم كل قضايا الناس، ولكن ما نعانيه نحن أننا نتعامل معه على أنه طارئ على حياتنا الثقافية لا كونه من صلبها، هذا عدا أنه علينا لنتمكن من جذب الجمهور، أن نسعى لتحقيق شرط الفرجة البصرية، ومن خلال عرض (حياتكم الباقية) تتم مناقشة الأخلاق بطريقة كوميدية جميلة، فنحن كشعب سوري ليس غريبا عنه الصمود، والمعاناة كانت وما زالت جزءا من حياتنا اليومية لكوننا أصحاب قضية، إذاً الأزمة التي نعانيها بعد صراعنا مع الإرهاب، هي مشكلة أخلاق على كل الصعد، وبالعودة إلى العرض، حتى ننهض بالفنون وبالمسرح نحن بحاجة لدعم أكبر من القائمين، بمنح المسرح على أرض الواقع مساحة كبيرة».
تماضر غانم
على حين حدثتنا الفنانة تماضر غانم عن دورها، لكونها تجسد شخصية المرأة (الكهينة) التي ترفض قبول عريس ابنتها بحجة الاختلاف الديني، على الرغم من أنه تربطها بأهل الشاب علاقة وطيدة، وتقول «بداية أحب أن أشير إلى المعاناة التي تعرضنا لها أثناء البروفات، بسبب تظاهرة المسرح التي استمرت عشرة أيام، ما انعكس على مواعيد كل من مسرح القباني ومسرح الحمراء، ولم نجد مكانا للتدريب، الأمر الذي دفعنا للذهاب إلى المراكز الثقافية كي نقوم بالبروفات، حتى إن البروفا النهائية (الجينرال) لم نقم بها إلا في اليوم السابق للعرض. أما بالنسبة لدوري في المسرحية أقوم بمواقف كوميدية تثير الضحك، وبالمناسبة هنا أحب أن أشير إلى أننا منذ نحو تسع سنوات لم نقدم عروضا مسرحية كوميدية بحتة، ولكن من خلال عرض (حياتكم الباقية) نحاول أن نقدم شيئاً من الكوميديا إلى جانب الدراما، فكما هي الكوميديا السوداء، كذلك هو النص، فمن عمق الأسى والوجع نخلق ضحكة ونثير الفرح، بمساع كي نعيد الكوميديا إلى العروض المسرحية».
وفي ختام حديثها وجهت الفنانة غانم الدعوة للجمهور نفسه كي يدعم مسرحه، لكون الجهات المعنية تسعى ضمن الإمكانيات لتقديم الأفضل.
فادي حموي
على حين بيّن الفنان فادي حموي أن دوره يجسد معاناة الشباب الجامعي في الحصول على فرصة عمل، وكيف أن متطلبات الحياة تجبرهم على مزاولة أعمال غير المستوى المطلوب علميا ومهنيا وحتى ماديا، هذا عدا عمّا يتعرض له الشباب في الجانب العاطفي وعلى التحديد عندما يقرر الزواج، عندما يصطدم بالعادات والتقاليد، ومسألة الاختلاف الديني، ما يمنع الشاب (سعيد) من الارتباط بحب حياته، ابنة قريته التي ترّبى معها، متابعا: «إن مسرحية (حياتكم الباقية) تقدم للجمهور حياتنا بكل بساطة وشفافية، بمعنى أنها تتطرق إلى الواقع بمرارته وقسوته حتى من دون أن يتم تجميله، من خلال الأحداث التي تحيط بالشخصيات». وعن إقبال الجمهور على العروض المسرحية لفت حموي «علينا ألا نقول إن المسرح ليس له متابعوه، فمن خلال تجربتي أؤكد أنه رغم كل الظروف التي قيّدتنا وأحبطتنا، فإن الجمهور بقي وفيا للمسرح، إذاً مربط الفرس هنا هو النوعية المقدمة له، فكلما كان العرض قويا، استطاع أن يستقطب أكبر شريحة ممكنة، وبالتالي يجب ألا نستخف بأهوائه، فإذا قررنا أن نضحكه مثلا فعلينا ألا نقدم له التهريج والسخيف، ولكن هذا لا يمنع من أن نقر بالحقيقة ونعترف بأن مسرحنا منذ تأسيسه هو مسرح مظلوم، على الرغم من أن خشبته -بالنسبة لي- مقدسة وتمنح الفنان شعورا لا يمكن وصفه، إلا أنه في الناحية المادية هو فقير جداً من الناحية المعيشية والأجور، وبصدق كبير أنا أرى أن الدعم المسرحي غير مجد مقارنة بفروع أخرى تنطوي تحت لواء وزارة الثقافة، والدليل على كلامي أنه لا يوجد في دمشق العاصمة- وعاصمة الثقافة العربية لعام2008- سوى مسرحين، القباني والحمراء، لهذا أتمنى أن يتم الاهتمام أكثر بالمسرح لأنه واجهة المجتمع، ونحن سنبقى نعمل على خشبته مهما بلغت الظروف».
جوري يوسف
وأخيراً في حديثنا مع المذيعة والممثلة جوري يوسف أشارت إلى أن العرض (حياتكم الباقية) فيه الكثير من الإسقاطات على واقعنا، وكيف أن الأزمة دفعت الكثيرين إلى الاستغلال، متمسكين بالجشع والزيف لبلوغ أهدافهم ومطامعهم ومتظاهرين برحمتهم ورأفتهم بالإنسانية، عبر شخصيتها التي تقدمها (السيدة الأنيقة)، معتبرة أن المسرح حياة ونحن كأشخاص جزء لا يتجزأ منه، وتضيف «صحيح أن الإعلام سرقني من التمثيل مدة طويلة وهي أكثر من عشر سنوات، إلا أنني أبقى الممثلة ابنة المسرح، فانطلاقتي وبداياتي كانت من هنا، هذا كما أنه لا يمكنني أن أستغني أبدا عن العيون التي ترقبني هنا وأنا واقفة على خشبة المسرح، هذه العيون تستهويني جداً عندما تلاحقني، وتبحث عن تعابيري من خلال مشاعري وما يدور في ذهني من أفكار، وكيف ترقبني منتظرة كي أبوح بصوتي لأعبر عن كل حالاتي، حتى إنها تلاحقني في حركاتي، فهذه حرية كبيرة، وربما الحياة لا تمنحنا إياها، لهذا عندما يأتيني عرض مسرحي وعندما أجد أنني فيه سأستمتع بحرية المرح على الخشبة، لن أتردد أبدا، حتى إن وجودي في الدراما سيكون أكثر من قبل، والبداية في الموسم الرمضاني القادم من خلال مسلسل فرصة أخيرة». .