مع المحاولات الأخيرة للقضاء على البقية الباقية من جيوب داعش في البادية السورية تتكشف يوما إثر آخر الاختراقات في هذا التنظيم حيث لم تبق دولة من دول العالم ولاسيما الفاعلة فيه إلا وكان لها ضلعها في صدر هذا الجسد الخبيث
وآخر الانكشافات في هذا المجال ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي موثقا بالصور من أن الضابط جون كلود يعود إلى ممارسة وظيفته في المخابرات الفرنسية بعد أن أنهى مهمته كشيخ داعشي.
وأمام هذه الحالة تتجلى بوضوح حقيقة وأهداف ومرامي حالات الانتشال التي قام بها طيران «التحالف « ولاسيما الأميركي للكثير من القيادات الداعشية في الجزيرة السورية إثر الهزائم التي مني بها التنظيم هناك.
معروف أن وجهة هذه الانتشالات كان مستقرها ومستودعها أماكن قريبة من الأماكن الأولى وتركها خلايا نائمة لتفجير الأوضاع حين يحين الوقت المناسب واستثمارها أيما استثمار حين يرى موظفوها أنه آن الأوان لذلك والبعض الآخر من المنتشلين تم تأمين عودتهم إلى بلدانهم بعد أن انتهت مهمتهم كحال الضابط الفرنسي المذكور. في الوجهة الأولى يأتي إعلان مدير مكتب منظمة بدر العراقية في الأنبار قصي الأنباري في العشرين من آذار الماضي أن القوات الأميركية قامت بنشر سبعمئة داعشي في الصحراء الغربية للأنبار وأطلقت عليهم اسم «أشباح الصحراء» ثم هذبت التسمية وعدلتها إلى «الرايات البيض».
وغير خاف على أحد أن من أهداف بقاء هذه الجيوب في هذه المنطقة إنما هو لقطع أي تواصل بين محور المقاومة والتنسيق فيما بينه امتدادا من إيران إلى العراق فسورية والمقاومة اللبنانية.
وفي إطار جعل الدواعش كمسوغ يمكن فهم التراجع عن القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دون استشارة إدارته والقاضي بالانسحاب من سورية وتعديل هذا القرار مؤخراً ليستقر على صيغة إعادة التموضع والانتشار بذريعة تذرع بها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بزعمه: «إن تهديد تنظيم داعش سيظل قائما» مما يمنح واشنطن حجة تتعكز عليها للبقاء كقوات محتلة.
في سياق الانتشالات أيضاً يمكن فهم إعلان وكالة المخابرات المركزية الأميركية في بداية آذار الماضي عدة مناطق من دير الزور كمناطق عسكرية وأغلقتها أمام الداخلين والخارجين المدنيين حيث أشارت مصادر ميدانية أن هناك ممثلين عن المخابرات الأميركية والإسرائيلية والفرنسية والبريطانية يزورون تلك المعسكرات السرية ويتم فيها إعداد وتوزيع البطاقات الشخصية وجوازات السفر من أجل تأمين خروج الدواعش عبر العراق وهذا ما تؤكده الصفقات المنفذة بين واشنطن وميليشا «قسد» من جهة وداعش من جهة أخرى لتأمين خروج الآلاف منهم من الباغوز.
لم يكن داعش بمنأى عن اختراق المخابرات التركية وهو ما كان يتم جهاراً نهاراً وعلى عيون الأشهاد حيث كشفت مجلة «هوم لاند سيكيوريتي توداي» الأميركية عن التنسيق القائم بين النظام التركي والتنظيمات الإرهابية في سورية وبينت أن لقاءات كانت تجري بين متزعمين من داعش وضباط مخابرات أتراك مستشهدة بأقوال الداعشي «أبو منصور المغربي».
والحق أن هذا الاختراق المتعدد الجنسيات للتنظيم قيادة وقواعد من جهة وعقلية قادته وقواعده غير المخترقين المتحجرة المتطرفة المتحطبنة من جهة ثانية، جعلت من التنظيم جسدا مريضا سقيما من رأسه إلى قدميه وجعلته جسدا فاقد المناعة أيضاً وتتقاذفه المنازعات نحو كل صوب وتأخذه الخلافات نحو كل اتجاه ولاسيما بين قادته وهذا ما عبر عنه أحد متزعمي داعش المدعو أبو محمد الحسيني الهاشمي الذي شغل مناصب مهمة في داعش في دعوته لمسلحي التنظيم للتنصل من بيعتهم لمتزعمه أبو بكر البغدادي وضرب عنقه ليكون عبرة لغيره وهذا ما نقله الموقع الإلكتروني لقناة «روسيا اليوم» في الخامس والعشرين من آذار الماضي.
صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية أكدت في تقرير لها نشرته منتصف آذار الماضي أن مسلحي داعش يشعرون بالغضب وخيبة أمل عميقة لأن زعيمهم اختفى في الصحراء بدلا من المشاركة الأخيرة للتنظيم في بلدة الباغوز حيث تناقلت بعض الأنباء أن البغدادي يعمل تحت إشراف واشنطن وشوهدت صورة له داخل سيارة أميركية مدرعة.
وأخيراً عاد البغدادي للظهور الإعلامي للتأكيد على أنه مازال حيا وأنه مازال يتربع على رأس التنظيم ليمنح بذلك واشنطن مبررا على أن استمرار وجودها بات ضرورياً لمواصلة محاربة التنظيم.