قضايا وآراء

تحرك «مضبوط» نحو الأمام

| سيلفا رزوق

قبل نحو عامين، جلس من باتوا يسمون اليوم بضامني «أستانا» على طاولة بحث مشتركة، أعلنوا فيها اتفاقهم على « منطقة خفض التصعيد»، شملت معظم المناطق التي تسيطر عليها النصرة وحلفاؤها في مناطق الشمال، ليدعّم هذا الاتفاق لاحقاً بتفاهم «سوتشي»، الذي حاول إلزام الجانب التركي بتنفيذ تعهدات مرتبطة بطرد «القاعدة» ومن معها من تلك المناطق.
اليوم ومع التصعيد الميداني الذي تلا آخر اجتماعات «أستانا»، وذهاب الجيش السوري صوب ما يمكن تسميته «خرق» قواعد الاشتباك التي حددتها «أستانا» و«سوتشي»، تظهر التساؤلات جلية حول مسار وحدود التحرك العسكري المدعوم «روسياً وإيرانياً» وبصورة معلنة.
المعطيات الواردة حتى الآن ورغم حدة الاشتباكات والقصف المتواصل للجيش السوري لمعاقل «الإرهاب» شمال الريف الحموي، لا تشي بانحدار الأمور صوب معركة شاملة تفضي باستعادة كامل الشمال ومعها «إدلب»، أقله خلال الفترة القليلة القادمة.
التحرك «المضبوط»، والذي يضع معاقل الإرهاب في جسر الشغور وريف حماة الشمالي في عين الاستهداف، يسعى في أحد أهدافه للضغط باتجاه تطبيق كامل بنود «سوتشي»، والتي تقضي بفتح الطرقِ الدولية المارة بشمال غرب سورية، وتأمين طريق حلب دمشق، ومعه تأمين منطقة «حميميم»، بعيداً عن محاولات الابتزاز التركي المستمر فيما يتعلق بمنطقة «تل رفعت»، وغيرها من مناطق في شمال حلب، لم تنص عليها أي من الاتفاقيات الموقعة.
التسريبات الإعلامية حتى الآن أكدت تحرك الجانب التركي وبصورة مكثفة باتجاه التواصل مع الضامنين الروسي والإيراني، لإعادة ضبط عقارب الساعة نحو الوراء قليلاً، وإعادة التفاهمات صوب «وقف لإطلاق النار»، يمهد ربما لوعد تركي بالذهاب بخيار تنفيذ التعهدات مجدداً.
الرد الميداني حتى اللحظة بقي على حاله، وسجلت الساعات الماضية، إعلاناً عن تحركات في أرياف اللاذقية وحلب، دون أي بيان رسمي، حيث اكتفى الإعلام الرسمي بتبني خطاب صد هجمات الإرهابيين، دون الإشارة إلى أي هجوم أو معركة محددة الأهداف، في إجراء بدا وكأنه رسالة سورية واضحة لمن يهمه الأمر في تركيا، بأن صبر الانتظار على الإرهابيين بدأ بالنفاذ، وما لم يتم بالوسائل السلمية فالميدان كفيل به.
في جولة التصعيد العسكرية الحاصلة، بدا من اللافت أيضاً، غياب التصريح السياسي الروسي، وتقدم التصريحات العسكرية على لسان «حميميم» ووزراة الدفاع، فيما حضرت إيران بتصريح حمل الكثير من الدلالات جاء على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي اعتبر أن «استقرار وأمن سورية مرتبطان بتأمين الحدود السورية والتركية، وإنهاء قلق أنقرة المشروع وحمايتها، هو بانتشار القوات السورية على الحدود السورية – التركية».
التصريح الأكثر بلاغة للوزير الإيراني والذي تحدث فيه عن «العلاقات الجيدة بين دول المنطقة»، والتي اعتبرها « مفيدة للمنطقة بأسرها»، وإشارته إلى أن «العلاقات بين أنقرة ودمشق ستصب بالتأكيد في مصلحة المنطقة والبلدين ظهر وكأنه رسالة إيرانية، تذكر بالحديث الإعلامي الذي أشار إلى وساطة تقوم بها طهران بين سورية وتركيا.
الدلالات التي حملها تصريح ظريف بدت أبعد من مجرد ارتباطها بما يجري على الأرض إذاً، وتزامنها مع اللقاء المنتظر اليوم وبصورة مفاجئة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تشي بأن تغيراً سياسياً مرتقباً يقف على باب تسويات ما بعد الميدان، هذا إذا افترضنا رضوخ أو فهم الجانب التركي للرسائل العسكرية التي أرسلها الجيش السوري خلال الأيام الماضية.
تحرك الميدان يبدو «مضبوطاً» على عقارب رد الفعل التركي، وباب الخيارات الروسي الإيراني المفتوح مجدداً أمام أنقرة، مقابل الخيار الأميركي الذي حاول استمالة أنقرة نحوه بوعود لها بإطلاق يدها بمناطق شرق الفرات، يرضي أطماع أردوغان من جهة ويبعده عن شركائه في «أستانا» من جهة أخرى، لا يبدو مفتوح المدة هذه المرة، لتجد أنقرة نفسها مجدداً أمام العودة لاتفاق «أضنة»، أو تقبل هزيمة ميدانية لأدواتها تفضي بخروجها من كامل الملف السوري.
أياً تكن التحليلات والتوقعات، فإن إعلان بدء الهجوم البري، وعودة لغة السلاح للتعامل مع «إرهابيي» الشمال، ستعني بالتأكيد أن قواعد اشتباك جديدة في طريقها للتشكل، قواعد لن تفضي بطبيعة الحال، بغير ما يتوقعه ويسعى إليه السوريون، وتغيير الأدوات، ووفقاً لما تقتضيه الضرورة، لا يعني الحياد عن الأهداف الأساسية التي يخطها على الدوام أصحاب الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن