لم يمر مشهدُ ظهورِ كوب قهوةٍ من سلسلةِ متاجر القهوة الشهيرة «ستاربوكس» في مسلسلِ الفانتازيا الشهير «لعبة العروش» مرورَ الكرام، تحديداً أن هذا المسلسل يُعتبر حالياً الأكثر متابعةٍ على وجهِ الأرض، وعليه كانَ لابد لموجةِ السخرية من المشهد أن تجتاحَ الشبكةَ العنكبوتية بكلِّ اللغات، ومع ذلك لابدّ للحادثةِ والتعاطي معها أن يعطيانا دروساً مهمة:
أولاً: خرجَت الشركة المنتجة للمسلسل واعتذرت عن هذا الخطأ، بل حولوهُ بدهاءٍ إلى مزحةٍ بسيطة ساهمت برفعِ الدعاية المجانية لهُ، لم يخرجوا مثلاً ليتحدثوا عن مؤامرةٍ أو إشاعات تستهدف العمل، لم يتحدثوا عن أن أعداءَ النجاح يريدون تعويمَ فشلهم، لم يحمِّلوا المسؤولية لماسٍ كهربائي أو لعاملٍ بسيط نسيَ جمع الأكواب، اختاروا الاعتذار وانتهى.
ثانياً: إن الالتفات لهذه اللقطة يعني ببساطة أن محبةَ المشاهدين لأي عملٍ فني أو غير فني لا تعفيهِ من النقد، ولا تعني أن المنتقدين يرتبطون بشبكاتٍ تُدار من الخارج هدفهم الإساءة لمن يعمل، كما يعني أنه لا أحد يستطيع أن يضحك على المشاهد باجترارِ القصص الممزوجة بالملل، ولا بفرضِ عارضاتِ أزياء كُن يحلمنَ يوماً ما بدورِ كومبارس في الدراما السورية عندما كانت في أوجها وجعلهن اليوم نجماتٍ من الصف الأول، فبالطريقة ذاتها التي رأى محبو «لعبة العروش» أن كوب «ستاربوكس» لا ينتمي للسياق التاريخي للعمل، فإن هناك الكثير من أكواب «ستاربوكس» لا ينتمي للسياق الراقي المسمّى للدراما السورية مثلاً.
ثالثاً: إن عالم التسويق الإعلاني اليوم واسع وقد يعتمد على فكرةِ التسويق بـ«الحركة المثيرة للضجة»، لتصبح فرضية تعمد إلى إظهار الكوب كنوعٍ من التسويق لشركة «ستاربوكس» مطروحة، أو ربما استفاد منتجو العمل من التجارب الإخراجية السورية في الدراما السورية عندما يركزون الكاميرا على منتجٍ ما لتسويقهِ بشكلٍ غير مباشر ضمن المشاهد، لكن «ستاربوكس» ليست معمل علكة أو بسكويت محشي بالشوكولا، ولو علمنا أن كلفة إنتاج الحلقة الواحدة من هذا العمل تصل لثمانية ملايين من الدولارات فسنكتشف أن هذه المقاربة سطحية، بما فيها من قد يتساءل:
أليس الحديث عن الواقعة نوعاً من التسويق المجاني لـ«ستاربوكس» في سورية مثلاً؟
ببساطةٍ لا، أياً كان طعم القهوة لذيذاً فإن نكهةَ القهوة في سورية مرتبطة بنكهةِ المكان، نكهةٌ لا يمكن لأي شركةٍ في العالم استنساخَ وصفتها السحرية، أما خلاصة الكلام فتعود بنا لرائعة المبدع نجدة أنزور «الجوارح» لنتذكر اللقطات التي كان فيها (أسامة ـ المبدع أيمن زيدان) يتحدث عن طموحاتهِ باحتلال والسيطرة على القبائل المجاورة، هكذا لقطات ارتبطت إما بفتياتٍ يعصرنَ الخمر بأقدامهنّ للدلالةِ على أن كلامهُ كلام «مخمورين»، أو أنها ارتبطت بوجود ألعابٍ نارية، كنا مراهقين وكنا نتساءل بسذاجةِ:
هل كان لديهم في ذاك الوقت ألعاب نارية؟
كبرنا لنعرفَ كم كانَ الجواب بسيطاً، إنه إبداعٌ عابرٌ للعصورِ أرادَ أن يقول لنا إن كل عصرٍ فيهِ الكثير من مخموري الطموحات كأسامة، لندقّقَ عندها بالدروسِ المستفادة من حادثةِ «ستاربوكس» ونتسائل:
أليسَ من حولنا الكثير من «الأسامات» وفي كل الاتجاهات علينا أن نُطلق مع تصريحاتِهم وأحاديثهم أو حتى أعمالهم ألعاباً نارية، أو نأتي بالصبايا ليعصرن خمراً بأقدامهن؟ هو كذلك ولكن ربما علينا الانتظار حتى انتهاء الشهر الفضيل.