اقتصاد

وزارة ومصرف للتنمية والبناء

رأى الباحث أنَّ حجم عملية إعادة البناء والتنمية، سواء كان ذلك لجهة المهام والأهداف المتوخى تحقيقها، أم لجهة حجم التمويل، يحتاج إلى أُطر وبنى مؤسسية، تأخذ على عاتقها التنسيق بين سياسات الحكومة وبرامج التنفيذ التي يشارك فيها معظم وزارات الحكومة، هذه الأطر المؤسسية المقترحة، تشكل مدخلاً أساساً وضرورياً لنجاح عملية إعادة البناء والتنمية، ولذلك تنشأ الحاجة إلى إحداث هيئة عامة، أو وزارة للتنمية وإعادة البناء تسمى «وزارة التنمية وإعادة البناء» لتتولى هذه الوزارة القيادة والتنسيق بين وزارات الدولة المعنية ببرامج وخطط إعادة البناء، وتحديداً؛ هيئة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الأشغال العامة ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد، على أن تملك هذه الجهة المستحدثة، خطة الحكومة للبناء والتنمية.
وبحسب الباحث، تتضمن خطة الحكومة للبناء والتنمية الرؤية الاستراتيجية (قصيرة 2-3 سنوات، متوسطة 5-7 سنوات، وطويلة 10سنوات) لإعادة البناء والتنمية، مع البرامج التنفيذية والتمويلية لكلّ مرحلة، والخيارات والبرامج التنموية التي تشكل الحامل التنفيذي للبرامج الحكومية، والهوية أو النهج الاقتصاديّ الذي سيرسم السياسات الاقتصادية الكلية التي تشكل مرتكزات لتنفيذ البرنامج، والرؤية التخطيطية المركزية والإقليمية لتوزع مسارات التمويل التنموي.
كما اقترح الباحث في ورقته إحداث مصرف متخصص باسم «مصرف التنمية والاستثمار»، أو صندوق سيادي باسم «الصندوق الوطني للبناء والتنمية»، إذ يقوم المصرف بتلقي الرأسمال الخاص بإعادة البناء، سواء كان من مصادر التمويل الداخلية (الحكومي والخاص والأهلي)، أم مصادر التمويل الخارجية كالقروض والهبات والمنح والمساعدات والقروض، وعائد الاكتتاب على سندات الخزينة.

نموذج اقتصادي وهوية

بيّن الباحث عدنان سليمان في ورقته البحثية أن الخيارات التنموية تبدأ عادة بتبني هوية ونموذجٍ اقتصاديٍّ للاقتصاد الوطني، ومنه تستمد السياسات الاقتصادية والقطاعية المالية والنقدية، ذلك أنّه بين نموذج الاقتصاد الليبرالي الذي يشتغل على قاعدة وأدوات اقتصاد السوق الليبرالي، واقتصاد السوق الاجتماعي (توليفة العدالة الاجتماعية والديمقراطية الاقتصادية)، والاقتصاد الموجّه حكومياً، ينبغي على الحكومة قبل إطلاق عملية إعادة البناء والتنمية، أن تحدد خياراتها التنموية التي تقوم بالأساس على طبيعة النموذج الاقتصادي الذي يحدد هوية الدولة والقطاع العام ودور القطاع الخاص والرأسمال الوطني والأجنبيّ وحرية السوق، ذلك أن تبني خيارات تمويلية واستثمارية دون مرجعية نظرية لهوية الاقتصاد، لتُبنى على أساسها مراكز النمو الاقتصادي والأدوار الرئيسة للفاعلين الاقتصاديين (القطاع العام والخاص والمجتمع الأهلي)، سيقود إلى بعثرة وتشتت الموارد ولا يحقق تنمية اقتصادية متوازنة.
ولفت الباحث إلى تحديد مراكز ومحاور نمو تنموي وإقليمي، علاجاً للاختلالات البنيوية والتنموية السابقة، ما يؤسّس لتنمية متوازنة جغرافياً على قاعدة الاستمرارية والاستدامة، وملاءمة النموذج التنموي للعلاقة بين القطاع الماديّ والجغرافيا والإمكانيات المادية والبشرية للأقاليم التنموية.
كما اقترح إعادة توزيع مراكز الثقل التنموي من المدن الكبرى إلى بناء المراكز الإقليمية الجديدة (المدن والمناطق الأقل نمواً)؛ ذلك لإعادة توزيع الاستثمارات العامة والخاصة، وتوليد فرص نمو وعمل، واستغلال الإمكانيّات المادية والبشرية المتاحة في كل إقليم تنموي، وتبنّي اللامركزية التنموية والإقليمية بتوزيع القسم الأكبر من ثقل الحكومة والوزارات على مؤسسات وإدارات الأقاليم التنموية، شريطة أن يتحمل كل إقليم مسؤولية تحقيق الاستخدام الفاعل للموارد المتاحة لديه، لتحقيق أفضل السبل للتشغيل وتحسين المستوى المادي والاجتماعي لأفراده.
الأقاليم السبعة
بين الباحث أهمية الاستخدام الفعّال لمزايا وخصائص الأقاليم السورية السبعة، إذ تحتاج كل صياغة للتخطيط العمراني والتنموي إلى معرفة الطبيعة والخصائص الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل إقليم، تمهيداً لتحديد المحاور والأقطاب والسياسات التنموية، وفقاً للجغرافيا والإمكانيات المادية والطبيعية لكل إقليم، ذلك أنَّ الاستخدام الأمثل للحيّز أو المجال الجغرافي المادي لفضاء كل إقليم، هو المدخل الأساس لتعبئة الموارد المالية والمادية والبشرية ودمجها في البيئة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد.
واختتمت الورقة ببيان أن مرحلة إعادة البناء والتنمية تشكل فرصة تاريخية واستراتيجية لتصحيح جملة من التشوهات الهيكلية والاختلالات البنيوية والتنموية على صعيد الاقتصاد والمجتمع، وقد يكون من السذاجة الاعتقاد أنّ الحرب على سورية قد توقفت، ذلك أن انتقال الفاعلين الإقليميين والدوليين المتصارعين على المصالح والأدوار الحيوية على الأرض السورية، من استخدام صيغ وأشكال الحرب الصلبة (طائرات ودبابات…) إلى الحرب الناعمة (مرتزقة وعملاء وتجسس وموارد اقتصادية كالنفط والغاز…)، لا يضع حداً فاصلاً للحرب، ما يجعل عملية تقاسم إعادة البناء في سورية أكثر أهمية وجدوى اقتصادية ومالية، وأشدّ إيلاماً من الحرب ذاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن