من دفتر الوطن

براغيث إلكترونية

| حسن م. يوسف

لست أتفق مع المثل الشعبي في قوله: «شيئان لا يسمع بهما أحد، فضيحة الغني وموت الفقير» فقد تأكدت بنفسي من أن الناس يسمعون بفضيحة الغني كما يسمعون بموت الفقير، لكنهم (يُطَنِّشُون) عن فضيحة الغني طمعاً في ماله وخوفاً من سلطانه، كما (يُطَنِّشُون) عن موت الفقير لأنه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، والحق أن التطنيش بات الآن ظاهرة كونية، فلسفها الانتهازيون بقولهم: (طَنِّشْ، تَعِشْ، تَنْتَعِشْ)!
يذكر من يتابعني أنني قد أعربت بصراحة عن شكي بمنظمة ويكيليكس منذ انطلاقها في عام 2006، كما أعربت عن عدم ارتياحي لمديرها الأسترالي جوليان أسانج، والحق أن شكوكي ما زالت حاضرة، رغم الحركات المسرحية التي كان آخرها اعتقال أسانج من داخل سفارة الإكوادور في لندن.
وعندما فجر رجل المخابرات الأميركي إدوارد سنودن فضيحة برنامج التجسس الأميركي بريسم PRISM قبل ستة أعوام شككت فيه أيضاً، لأنه سرب وثائق خطرة أهمها مشروع التجسس بريسم الذي بدأ العمل به بسرية تامة منذ عام 2007 «وأول من شارك به كان شركة مايكروسوفت منذ انطلاقه في شهر كانون الأول من ذلك العام، ثم لحقتها ياهو في 2008، ثم غوغل، وفيسبوك، وبالتوك في 2009، ثم يوتيوب في 2010 وسكايب وAOL في 2011 وفي النهاية آبل في 2012، والمشروع مستمر بالتوسع ليضم شركات أخرى ومنها (دروب بوكس) بحسب الوثيقة».
تفيد الوثيقة بأن المخابرات الأميركية تستطيع بمجرد أن تنصب ذلك البرنامج داخل أنظمة شركات الإنترنت أن تحصل على المعلومات كافة التي تملكها تلك الشركات «من تاريخ المحادثات والصور والأسماء والملفات المرسلة والمكالمات الصوتية والفيديو… إلخ» بل إنه بوسعها أن تعرف أوقات دخول المستخدم وخروجه من الشبكة فور حصوله.
قبل حوالي عشرين عاماً كتبت مقالاً في إحدى المجلات المتخصصة بالكمبيوتر عنوانه «براغيث إلكترونية، في اتصالاتنا الشخصية!» تحدثت فيه عن فضيحة تجسس (بطلتها) وكالة الأمن القومي الأميركية NSA التي كان يعمل فيها إدوارد سنودن، يومها كتبت أقول: «أعلنت صحيفة «إلموندو» الإيطالية عن اكتشاف شبكة تجسسية مختصة في الاستخبارات الإلكترونية، تدعى NSA، تعتبر أخطر وأوسع وأكثر سريةً من شبكة المخابرات المركزية الأميركية، وهذه الشبكة تتنصت على كل الاتصالات الهاتفية التي تمر عبر الأقمار الصناعية، وهي تدار من الولايات المتحدة الأميركية، بالاشتراك مع أربع دول أنجلوفونية، هي بريطانيا، كندا، أستراليا، ونيوزيلندا! وقد وصفت لجنة تقدير الخيارات التقنية والعلمية، التابعة للإدارة العامة في البرلمان الأوروبي، عمل هذه الشبكة العالمية، في تقريرها حول تقنيات المراقبة السياسية:
«إن كل الاتصالات الهاتفية والفاكس والنصوص المرسلة عبر البريد الإلكتروني، عبر أوروبا بأكملها، تخضع للتنصت والمراقبة بشكل منهجي مطرد، حيث يتم جمع المعلومات ذات الأهمية من المركز الإستراتيجي البريطاني، مان وذ هيل، لإرسالها إلى المقر العام في وكالة الأمن القومي ووفقاً للتقارير فإن كل هذه الاتصالات المرمَّزة وغير المرمَّزة، تخضع للتفكيك والانتقاء، ثم تدمج في بنك معلومات مشترك من بين الدول المعنية».
وتقول الجريدة الإيطالية: إن هذه الشبكة الأخطبوطية تستطيع التنصت على كل الاتصالات العالمية التي تمر عبر الأقمار الصناعية الثابتة في مداراتٍ حول الكرة الأرضية، فهي تملك مجموعة من الأقمار الاصطناعية التجسسية، وضعتها وكالة الأمن القومي في المدار الفلكي منذ عام 1970، كما أنها تملك شبكة كومبيوتر نافذة تسمى (قواميس) تستطيع امتصاص ودرس وتمحيص عدد هائل من الرسائل الرقمية تصل إلى مليوني محادثة أو رسالة في الدقيقة!
في مقال قادم أحدثكم عن برنامج «تلعيب الثقة» The Gamification of Trust الذي يعد أخطر وأوسع برامج التجسس على الأفراد في التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن