ثقافة وفن

رحل النهار مبكراً ولكنه سيعود يوماً ما … ضحى مهنا لـ«الوطن»: طرحت مظاهر الحياة بعباءة اجتماعية واقتصادية وتطرقت قليلاً إلى السياسة

| سارة سلامة

قضت حياتها مع الأسرة متنقلة بين عدة محافظات، الأمر الذي ساعدها على تقبل الآخر وبناء صداقات منوعة وتواصل ليس له حدود.
الكاتبة ضحى مهنا ساعدها سفرها مع زوجها الطيار المدني إلى أماكن ودول مختلفة إلى التعرف والإطلاع على ثقافات متعددة، ينظر فيها كل شخص إلى الآخر باحترام ولو انعدمت المحبة إلا أن الاحترام والاعتراف بالآخر كانا شيئاً جوهرياً. وفي المنزل لم يكن هناك وسيلة للتسلية سوى المطالعة، فتعمقت في قراءة أهم الكتّاب الروس واطلعت على الكتّاب العرب وأحبت طه حسين ونجيب محفوظ، ومن سورية كل من هاني الراهب وخيري الذهبي وآخرين.
تشدها دائماً مطالعة الدراسات عن الشعوب وثقافتها، لتبدأ بكتابة القصة القصيرة ومنها بعنوان «لا تخافي» وهي مجموعة قصص. نلحظ خلالها أن همها الأول حفظ كرامة الإنسان في الحياة وعدم الاستخفاف به أو احتقاره.

وكتبت أيضاً للفتيان وحصلت على جائزة في نادي الشارقة الأدبي كانت الأولى عربياً عن كتاب «حذاء الساعة». كما كتبت قصة طويلة للفتيان بعنوان «هكذا عاش غلغامش» وكانت فكرة الموت هي الفكرة الوحيدة التي لم تستطع أن تحكيها للأطفال. وبرأي مهنا فإن العمل الصالح هو من يخلد الإنسان وليس عدد السنوات التي يعيشها إلى جانب الصداقة التي ركزت عليها، وكأنها هدمت الأسطورة وأعادت بناءها من جديد بشكل يتناسب مع الأطفال والفتيان.
أما آخر ما صدرته فهو كتاب بعنوان «رحل النهار مبكراً» والذي دفعنا للقائها والحديث أكثر عن الرواية والاطلاع على المراحل الجديدة التي تحضر فيها الجزء الثاني منها.
همسات من الرواية

«صغيرة هي كانت حين أقفلت السماء بابها، وزلزلت الأرض من تحت قدميها الصغيرتين، سألت فما سمعت إجابات مقبولة، فلا إجابات حين تغضب السماء والأرض، ودخلت في الصمت والخوف والوحدة، وما اتسع وجهها الصغير لتلك الدموع الكبيرة. عادت تسأل عن أبيها فقيل لها ذهب إلى ربه، سألت ثانية «لماذا»؟ ونزل الصمت وتبعثر الصدى. افتقدت أمها فأخبروها بأن العذراء أخذتها «إنها تحبها» فقالت: وأنا أحبها، وكانت تحبني أكثر من الناس أجمعين! سألت عن أخيها. فأنبؤوها بأنه في السجن «لقد أغضب الحكومة» وسمعت شيئاً عن البعثية والناصرية والقومية السورية. فقالت «شو يعني»؟ أريد أخي. انتظرت رحيل النهارات الزرقاء والرمادية الطويلة بصبر ما رأته جميلاً. أمسكت ببعضها لعل من تنتظره يدخل عليها. رأت أمامها الأبواب والجدران والسلالم عالية. كرهتها من دون وعي يقودها شعور صادق لازمها دئماً».

نحتاج إلى المحبة
تقوم معظم شخصيات رواية «رحل النهار مبكراً»: «بأن ما يحتاج إليه الجميع هو المحبة والرحمة ليختفي الخوف وتبتعد الوحدة وتتقدم العدالة ونهزم القوة المتسلطة بأنواعها وسط معاناة لا تنتهي أو تتوقف من السماء أو الأرض. تضيف هذه الشخصيات إن ثمة تنوعاً غير خطر ينبغي ألا ندير له ظهورنا، إنه تنوع غير خطر لا يصمد أمام الحياة الإنسانية الشاملة التي تتسع للجميع ولا حاجة في كل هذا إلى حزب أحمر أو أخضر وإلا فإن النهار سيرحل مبكراً، في الرواية اختناق وقلق لكنه يشير من دون مباشرة إلى أن النهار يمكن أن يعود ثانية بالمحبة والرحمة والعدالة».

سيعود يوماً
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بينت الكاتبة ضحى مهنا أن: «الكتاب كان جاهزاً منذ بداية الأحداث ولكن عندها جاءت الغربان والضباع على أرض سورية توقفت حينها ورأيت أن لا قيمة للأسئلة عن معنى الحياة حين يصاب الوطن وسط كل هذه الفوضى. وعندما جرح الوطن أصابتني حالة من الحزن والإحباط وكنت كل الوقت أترقب شاشة التلفزيون وأتتبع الأخبار كافة وأشعر بأن الجو خانق وكأن الأوكسجين اختفى، ونحن بحاجة لأن نعرف أكثر، وهذا فحوى روايتي وكأنني استشرفت هذا الشيء وربما الجزء الثاني وهو قيد الكتابة يوضح كل شيء. وإن ما ينقصنا هو المعرفة فعندما يكون لدينا معرفة يكون لدينا خيار».
وأضافت مهنا: إنني «لاحظت التشققات والتصدعات في الدنيا وليس فقط في مجتمعنا ودخل بهذه الشقوق ناس ربما من الخوف أو الجهل والتعصب. وتحدثت في الرواية عن مظاهر الحياة بعباءة اجتماعية واقتصادية وتطرقت قليلاً إلى السياسة عن طريق السجن. وهي تجربة لأحد أبطال القصة تجربة مريرة جعلته بعين واحدة ولكنه كان يقول دائماً إن (عيناً واحدة تكفيني حتى أرى هذا العالم البشع). وهنا يحمل شيئاً من المرارة إلى جانب السخرية. ويمكن تكفيه أذن واحدة حتى يسمع الصخب الفارغ. وركزت على التنوع بحياتنا وهو شيء لا يجوز نكرانه على الرغم من أننا كلنا نمتلك رأساً واحداً وعينين وفماً ويجب ألا ندير ظهورنا إلى بعض بل يجب أن نحترم أنفسنا. ومثلاً في لندن نرى أن الناس يتعايشون مع الهنود والباكستانيين، كلهم يعيشون تحت سقف القانون وممنوع على أحد منهم أن يؤذي الآخر وهناك ناس متعصبون يخرجون من وقت لآخر ونسمع صوتهم النشاز. وما دمنا قلنا إن العالم أصبح قرية واحدة فيجب على الأقوام التعايش معاً ولماذا كل هذه الاصطفافات والفوارق الاجتماعية والاقتصادية والدينية».
وتستشهد مهنا بروايتها قائلة: «هذه الطفلة الصغيرة بدأت تسأل أسئلة عندما أصابتها مصائب من السماء مثل ما أصابتها مصائب من الأرض ووقفت تسأل أيهما أكثر عدالة السماء أم الأرض؟ وعاشت حياة قاسية رغم أنها من عائلة ثرية في دمشق لكن ابتليت باكراً باليتم وسجن أخيها».
وعن سبب اختيارها العنوان وضحت مهنا: «سيرحل النهار وسط هذا الجو الخانق ولكنه سيعود يوماً بالتأكيد ولو تأخر فإنه سيأتي نهاراً يعترف به كل واحد بالآخر وينظر في وجهه ولا يدير له ظهره وسيعرف أن هذه السلالم والأبواب المغلقة كلها ستنتفي بشكل رمزي».
أما عن اختيارها شخصيات الرواية فقالت مهنا: «استوحيت قصصهم من الخيال وعادة ما نجد الكاتب بكتابه. ولكن في الحقيقة هو بعيد عني وعن حياتي الشخصية تماماً، وأقول لا أحد يتلصص في الرواية على حياتي لأنني بعيدة جداً عن روايتي ولو كانت أفكاري فيها».

سيرة ذاتية
كاتبة قصص قصيرة للكبار والفتيان.
تكتب المقالة والسيناريو.
عضو في اتحاد الكتاب العرب منذ عام 1993.
نالت جوائز عدة محلية وعربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن