قضايا وآراء

طهران وموسكو ودمشق أمام زوبعة أميركية في فنجان

| تحسين الحلبي

لا أحد يشك أن القيادة الإسرائيلية تحرض في كل لحظة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على شن حرب شاملة على إيران أو شن هجوم صاروخي جوي من دون قوات بحرية تصل أراضيها، وهذا ما يتضح من معظم ما تعلنه وسائل الإعلام الإسرائيلية وما يحلله المختصون في تل أبيب، ومن يقرأ العناوين يمل إلى الظن بأن الحرب الأميركية ستبدأ على إيران، لكن الحقيقة تخالف كل هذه الأشكال التحريضية لأن الولايات المتحدة شنت أولى حروبها الشاملة والواسعة عام 2001 على أفغانستان بمشاركة دول من حلف الأطلسي ولم تكن في تلك الحرب وحدها رغم إعدادها ورغبتها بشن تلك الحرب بعد أن فجر لها الإرهابيون أكبر برجين في أميركا في 11 أيلول 2001 وما كاد يمر شهر حتى بدأ الغزو الأميركي الدولي على أفغانستان وقد مرّ على ذلك الغزو 18 عاماً وهي أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة في تاريخها ولم تحقق فيها أهدافها ولا تزال عالقة فيها من دون الجدوى المطلوبة.
كما شنت إدارة بوش نفسها بعد سنتين من هذه الحرب حرباً أخرى على العراق في عام 2003 ولم تكن وحدها أيضاً بل جمعت معها بريطانيا كشريك أساسي في جميع العمليات ودولاً أوروبية كثيرة من إسبانيا إلى دول أخرى ومع ذلك ورغم احتلالها للعراق سنوات كثيرة لم يتوقف فيها اشتباك المقاومة ضدها حيث اضطرت إلى سحب قواتها بعد تسع سنوات تقريباً وكان عدد القوات التي سحبتها 180 ألفاً.
السؤال الذي يفرض نفسه أمام هاتين التجربتين: هل يمكن فعلاً للولايات المتحدة أن تشن حرباً شاملة على إيران وحدها؟
إذا جرت مقارنة بسيطة بين ما كانت أفغانستان تملكه من قوة عسكرية عام 2001 وما كان يملكه العراق عام 2003، وهو الذي كان محاصراً منذ حرب الخليج واحتلال صدام للكويت عام 1991، وبين ما تملكه إيران من قوة وقدرات متطورة من كل الأشكال وبما لديها من عدد سكان يزيد على عدد سكان أفغانستان والعراق معاً، فإن النتيجة الواضحة لهذه المقارنة هي أن إدارة ترامب يستحيل أن تشن حرباً شاملة على إيران أمام ميزان القوى المتوافر في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك أصبحت العلاقات الأميركية الأوروبية ليست في مستوى حرارة التحالف المشتركة نفسها التي سادت في العقد الماضي والحربين السابقتين وتحديداً تجاه العلاقات مع إيران والاتفاق النووي الذي تتمسك به أوروبا على النقيض من الولايات المتحدة.
إذاً ما الذي تريد إدارة ترامب وتحديداً مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ووزير الخارجية مايكل بومبيو تحقيقه من استعراض كل هذه القوات الحربية الأميركية البحرية ومن التهديدات الحربية لإيران؟ هل هي مجرد زوبعة في فنجان لزيادة قدرة الردع الأميركية في المنطقة وإبلاغ رسالة لروسيا الاتحادية بشكل خاص وهي الحليف لإيران وسورية؟
وهل يصلح التوقيت الحالي في شهر أيار أو حزيران لشن حرب أميركية مباشرة شاملة أو غارات صاروخية وجوية «سريعة» كما يشير بومبيو حين هدد بأن أي «استفزاز ضد أميركا من إيران أو من أي مجموعة تابعة لها سترد عليه واشنطن بشكل سريع»؟
يبدو أن بولتون وبومبيو لهما مصلحة بعملية حربية ولا نقول حرب شاملة ومباشرة في المنطقة، لاستخدام آخر ورقة يستغلان فيها الرئيس ترامب بعد أن أخذت تزداد ضغوط الديمقراطيين عليه في موضوع استدعائه لجلسة استماع حول موضوع اتهامه بالتعامل مع موسكو وكذلك في جمع الأدلة التي تتيح طرح مشروع اقتراح تشريعي بصلاحية إقالته، فالحملة التي يتعرض لها تربكه وتقدم للثنائي بولتون وبومبيو فرصة لدفعه نحو عملية خارجية تشوش أو تغطي على ما سوف يتعرض له، ولا شك أن القيادة الإيرانية وكذلك الروسية لديهما صورة مكتملة للوضع الذي يواجهه ترامب وللاستغلال الذي ينتهجه بولتون وبومبيو في هذه الأوقات وستعرف موسكو ودمشق وطهران كيف تتعامل مع هذه التهديدات التي ستبقى في أغلب الاحتمالات مجرد سحابة عابرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن