قضايا وآراء

معركة إدلب والنوافذ السياسية

| مازن بلال

يقتصر الاهتمام الدولي بما يحدث جنوبي محافظة إدلب على إبداء القلق والتحذيرات، ورغم أن المعارك في تلك المنطقة لم تقدم مؤشرات لإمكانيات توسعها لتشمل مساحات أوسع، إلا أن ردود الفعل الدولية تفتح الكثير من الأسئلة حول موقع الأزمة السورية داخل سلم الأولويات العالمية، فالتركيز الذي شهدته سورية منذ 2011 تحول إلى المراهنة على التداعيات الداخلية لشرقي المتوسط إجمالاً، وخصوصاً مع تصاعد الحرب الاقتصادية ضد إيران وتأثيراتها على ميزان القوى الإقليمية.
ربما تبدو المعارك في جنوبي محافظة إدلب تعبيراً حقيقياً عن الإخفاق في إنعاش الحل السياسي، وعدم قدرة الدول الضامنة في لقاءات أستانا تحويل تفاهماتها إلى تصورات سياسية مؤثرة في الأطراف، فالعامل العسكري هنا يمثل دورة معارك لدفع الأطراف الإقليمية، وعلى الأخص تركيا، لبحث الخيارات السياسية، ومن جانب آخر فإنها مبرر للتفكير بما وصل إليه مسار جنيف المتعثر عند حدود اللجنة الدستورية، فالتحريك العسكري الذي يضمن للدولة السورية كسر معادلة الجمود القائمة، يدفع أنقرة إلى بحث رهاناتها بشأن الأزمة السورية عموماً.
عملياً فإن المسارات السياسية المتوقعة لا تضع الكثير من الخيارات، فالتوازنات الإقليمية حرجة في ظل التصعيد الأميركي ضد إيران، وضمن واقع أميركي مهتم بالمعادلة الاقتصادية الدولية أكثر من اهتمامه بتفاصيل النزاعات الإقليمية، فالمسألة السورية للبيت الأبيض تتلخص بنقطتين: الأولى إيجاد مشروع علاقات شرق أوسطية يتمحور حول «إسرائيل» وذلك لمواجهة إيران، وهذا الأمر هو جوهر ما يسمى «صفقة القرن»، والثاني عدم إتاحة الفرصة أمام دول المنطقة للتأثير في المعادلة الاقتصادية الدولية، أي قطع الطريق على الصين لاستخدام الشرق الأوسط كمنطقة للتأثير في السوق العالمية، وضمن هذين الأمرين فإن الحل السياسي في سورية لن يكون مفيداً لواشنطن؛ لأنه يؤدي لاستقرار منظومة معاكسة تريد واشنطن تفكيكها عبر «صفقة القرن»، ومن هنا يمكن أن نفهم عدم الاستعداد الأميركي للتأثير المباشر للمعارك في جنوبي إدلب، واهتمامها بشرقي الفرات الذي يشكل مثلثاً مؤثراً في تركيا والعراق وسورية.
المشكلة الأساسية للإدارة الأميركية هي نوعية الخيارات التركية، فأنقرة لم تعد قادرة على العودة إلى مرحلة الانكفاء الذاتي التي ميزتها في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي بالتالي تشكل تنافساً في ظل أي ترتيب دولي جديد، والمسألة السورية حاسمة في هذا الموضوع، فأي حال سواء في إدلب أم شرقي الفرات سيؤثر في موقع تركيا الإقليمي، وحالياً تلعب أنقرة على تناقضات المنطقة لتحصيل مكاسب لدى موسكو وواشنطن، ولأنها في المقابل تواجه مسألتين:
– إن الولايات المتحدة تنظر للموضوع السوري كعامل استنزاف إقليمي لدول المنطقة كافة، وبالتالي فإنها غير مهتمة بتكريس أدوار محورية في الشرق الأوسط لأن مثل هذه الأدوار أدت سابقا لتفوق سيادة الدول على المرونة التي تريدها واشنطن في إدارة السوق الدولية.
– الأمر الثاني إن الإدارة الأميركية الحالية تسعى بشكل دائم لخلط الأوراق على مستوى النظام الدولي عموما، فهي لا تريد إتاحة أي فرصة لظهور سوق دولي مواز يمكن أن يؤثر في قوتها الدولية، وبالتالي فهي غير معنية بعودة الاستقرار لمناطق تسهل تطور قدرة الصين على الانسياب براً نحو أوروبا، وتشكل العراق وسورية حلقة مهمة في هذا الموضوع.
معارك إدلب اليوم هي بحث عن النوافذ السياسية، وتركيا تواجه تكويناً معقداً بين خسارتها لبعض أوراق الضغط في إدلب، واحتمالات تعقد الوضع أكثر في شرق الفرات، على حين المسألة السورية المغيبة سياسياً لا يمكن أن تظهر عبر بوابات تقليدية، فالحل السياسي تحول أكثر فأكثر نحو الداخل السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن