قضايا وآراء

«الحزام والطريق»… صفحة جديدة للتعاون بين الصين وسورية

| بقلم فونغ بياو سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الجمهورية العربية السورية

انعقدت الدورة الثانية لمنتدى «الحزام والطريق» للتعاون الدولي بالنجاح في بكين بين يومي 25 و27 نيسان تحت شعار «بناء الحزام والطريق وخلق مستقبل جميل». خلال المنتدى، أقيمت الجلسة الافتتاحية واجتماع المائدة المستديرة والاجتماع الرفيع المستوى و12 ندوة فرعية ومؤتمر رجال الأعمال. حضر اجتماع المائدة المستديرة 40 زعيما، بمن فيهم 38 رؤساء الدول والحكومات والأمين العام للأمم المتحدة ومديرة صندوق النقد الدولي. شاركت الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري في المنتدى ممثلة لسورية.
خلال المنتدى، حضر الرئيس الصيني شي جينبينغ الجلسة الافتتاحية وألقى فيها كلمة رئيسية وترأس جميع جلسات اجتماع المائدة المستديرة وتبادل وجهات النظر مع الأطراف المشاركة كافة على نحو معمق حول بناء «الحزام والطريق». اتفق الجميع على أن «الحزام والطريق» مبادرة مفعمة بالفرص، وتوصل إلى توافقات واسعة النطاق حول بناء «الحزام والطريق» بجودة عالية، وأحرز 283 إنجازاً من 6 فئات، بما فيه ما يعلنه الجانب الصيني من الإجراءات ومبادرات التعاون، ووثائق التعاون الثنائية والمتعددة الأطراف التي تم التوقيع عليها خلال أو قبل المنتدى، ومنابر التعاون المتعددة الأطراف التي تم إنشاؤها في إطار المنتدى، والقوائم للمشاريع الاستثمارية والتمويلية ومشاريع التعاون بين الحكومات المحلية والشركات.
يمر عالم اليوم بتغيرات لا مثيل لها منذ مئة عام، إذ تتحرّر الإمكانيات الناجمة عن الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية والصناعية، وتتهيأ المعادلة الاقتصادية ونظام الحوكمة العالميان لتغير جديد. في الوقت نفسه، تتعرج العولمة الاقتصادية وتتباطأ التنمية الاقتصادية العالمية وتبرز عناصر عدم الاستقرار للوضع الدولي. أمام كل هذه التغيرات الكبيرة والعميقة، يشعر الكثير بالإرباك وتحاول دول كثيرة إيجاد طريق جديد للتنمية ولحوكمة اقتصاد العالم. على هذه الخلفية، طرح الرئيس شي جينبينغ المبادرة المهمة لبناء «الحزام والطريق»، انطلاقا من رؤيته المتبصرة والمتماشية مع واقع التنمية الصينية والتعاون الدولي. إنها مبادرة تقدمها الصين لجميع الدول من أجل مواجهة التحديات المشتركة واستكمال الحوكمة الاقتصادية العالمية، وتهدف إلى دفع الدول لتعزيز المواءمة بين الإستراتيجيات التنموية والتركيز على التواصل وتعميق التعاون العملي وتحقيق التنمية المشتركة.
لاقت مبادرة «الحزام والطريق» منذ نشأتها في عام 2013، دعماً إيجابياً وتجاوباً حاراً من المجتمع الدولي، وحققت إنجازات ملموسة ومثمرة في السنوات الست الماضية، إذ وقعت أكثر من 150 دولة ومنظمة دولية وثائق التعاون مع الصين في إطار «الحزام والطريق»، وتم تنفيذ دفعة كبيرة من المشاريع، ونفذت جميع النتائج للدورة الأولى من المنتدى بشكل سلس، واتضحت معالم التواصل والترابط المتمثلة في «ستة ممرات وستة طرق وعديد من الدول والموانئ». بفضل هذه المبادرة، صار لشرق إفريقيا أول طريق سريع، ولمالديف أول جسر عابر للبحر، ولكازاخستان أول منفذ لها إلى البحر، وبفضل هذه المبادرة، تعمل دول جنوب شرق آسيا على بناء سكة حديدية فائقة وتصبح قطار الشحن بين الصين وأوروبا وأطول رابطة تعاون في قارة أوراسيا. قد تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين والدول المشاركة في بناء «الحزام والطريق» 6 تريليونات دولار وتجاوز حجم الاستثمار 80 مليار دولار، وساهمت مناطق التعاون الـ82 بين الصين والدول المشاركة في خلق 300 ألف فرصة عمل للمجتمعات المحلية.
يعد المنتدى أعلى منبر للتعاون الدولي في إطار «الحزام والطريق»، ويهدف إلى بلورة التوافق الدولي بشأن «الحزام والطريق» ورسم خريطة التعاون. تتسم الدورة الثانية للمنتدى بالميزات التالية:
أولاً: الهدف الواضح، أي بناء الاقتصاد العالمي المنفتح: أعرب القادة الحاضرون عن موقفهم الواضح والرافض للحمائية والأحادية، وتوصلوا إلى التوافق السياسي حول تعزيز التواصل وإيجاد محرك جديد للنمو الاقتصادي ودفع التنمية المستدامة. أشار البيان الختامي لاجتماع المائدة المستديرة بوضوح إلى ضرورة تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، ودعم منظومة التجارة المتعددة الأطراف المنفتحة والشاملة والقائمة على القواعد.
ثانيا، الرؤية المتبصرة، من أجل إطلاق مرحلة جديدة لـ«الحزام والطريق»: خلال المنتدى، قامت الأطراف الحاضرة بتدقيق خطة التعاون في إطار «الحزام والطريق»، وإجراء التعاون الشامل الأبعاد، وتحديد الأولوية والسبل لهذا التعاون، متفقة على ضرورة إجراء التعاون الأكثر عمقاً والتنمية الأكثر تفاعلاً والمنفعة الأكثر اتساعاً. يجب اتخاذ البنية التحتية العالية الجودة والتعاون الصناعي كأولوية، وحل القضايا المحورية مثل الدعم المالي والبيئة الاستثمارية وإدارة المخاطر والتفاهم الشعبي.
ثالثاً: التفاعل بين الداخل والخارج، وتحقيق المزيد من الإصلاح والانفتاح في الصين: إن «الحزام والطريق» والإصلاح والانفتاح أمران يكمل بعضهما البعض، إذ إن «الحزام والطريق» يعكس عزم الصين على الانفتاح الشامل الأبعاد، على حين يوفر الإصلاح والانفتاح قوة لا تنضب لـ«الحزام والطريق». ستتخذ الصين المزيد من الإجراءات المهمة للإصلاح والانفتاح، التي من شأنها توفير المزيد من الفرص للدول المشاركة لتحقيق الازدهار المشترك.
تمثل الدورة الثانية للمنتدى تجربة ناجحة لفكر شي جينبينغ الدبلوماسي وتجسد الطابع الإلهامي للرؤية الصينية والمبادرة الصينية وتأثيرهما، وتعبر عن الرغبة المشتركة لدول العالم في تحقيق الانفتاح والتنمية والتعاون والكسب المشترك. كانت سورية محطة مهمة في طريق الحرير منذ القدم، حيث بيعت من خلالها المنتجات الصينية مثل الحرير والخزف إلى غرب آسيا، ويرجع التواصل بين الصين وسورية إلى ما قبل ألف عام، حيث كانت تدمر مركزاً تجارياً مهماً وهمزة الوصل بين الشرق والغرب. عليه، تكون الصين وسورية شريكين طبيعيين في بناء «الحزام والطريق»، ويوجد أساس متين وأفق واعد للتعاون بين البلدين في إطار «الحزام والطريق»، لما يربطهما من الصداقة التاريخية والتطابق التام بين مبادرة «الحزام والطريق» وإستراتيجية فخامة الرئيس بشار الأسد حول «التوجه نحو الشرق» والتجاوب الإيجابي من الأوساط السورية كافة مع المبادرة. رغم أن التعاون الشامل الأبعاد بين البلدين ما زال يواجه بعض الصعوبات الواقعية الناجمة عن الأزمة السورية، غير أن الجانب الصيني يتابع تطورات الوضع في سورية دائماً، ويدعو الأطراف المعنية كافة إلى وقف إطلاق النار وأعمال العنف في أسرع وقت ممكن، وتحقيق السلم والأمن في سورية من خلال عملية الحل السياسي الجامعة. اليوم، عادت وتيرة التواصل بين البلدين على مختلف المستويات بشكل تدريجي، وبذلنا جهوداً كبيرة لدفع التنمية الاقتصادية في سورية وتحسين معيشة شعبها ودعم جهودها لمكافحة الإرهاب من خلال المساعدات الإنسانية الكثيرة والمشاريع التدريبية العديدة. في المستقبل، ستشارك الصين بنشاط في إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي في سورية، وتقدم مساهمتها من أجل أمن الشعب السوري وسعادته ورفاهيته.
أنا على يقين بأن الصداقة بين الشعبين الصيني والسوري ستزداد متانة والتعاون العملي بينهما في المجالات كافة سيزداد عمقاً واتساعاً بفضل جهودنا المشتركة ومبادرة «الحزام والطريق»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن