قضايا وآراء

فخ الحروب الأهلية القادمة في العراق

| أحمد ضيف اللـه

دعت لجنة تحضيرية بعد اجتماع لها في مدينة أربيل بإقليم كردستان في الـ9 من شباط 2019، إلى تحويل محافظة نينوى إلى «إقليم الموصل»، وعرض وعد اللـه عز الدين المتحدث باسم اللجنة التحضيرية للصحفيين قوائم قال إنها «تضم 500 ألف اسم مؤيد لإنشاء الإقليم».
النائب عن محافظة نينوى منصور المرعيد قال في حديث لـ«السومرية نيوز» في الـ27 من الشهر ذاته: إن «من يقف خلف الدعوات لإقامة إقليم نينوى هي جهات غير معروفة لنا، ولم يتم التعرف من قبلنا على أي شخصية نادت بهذا الأمر في هذا الوقت»، مرجحاً أن «تكون هناك جهة سياسية تبتغي مصلحة خاصة من وراء هذه الدعوة»، كذلك اعتبر نوفل حمادي السلطان محافظ نينوى السابق المُقال «أنهم لا يمثلون الشرعية في نينوى، وهم يسكنون في أربيل، ومن ثم لا يحق لهم الحديث عن إنشاء الأقاليم»، نافياً معرفته «بالجهات المروجة للموضوع».
إن فكرة إقليم الموصل ليست بجديدة، فقد سبق أن طُرحت في عامي 2008 و2014 قبل احتلال محافظة نينوى من تنظيم داعش، حيث كان أثيل النجيفي المحافظ الأسبق المُقال من أشد المتحمسين لها، الذي يؤكد حزبه «متحدون» الآن بأنه ليس طرفاً في عرض الفكرة مجدداً.
وفي الأول من نيسان الماضي، قال صباح البزوني رئيس مجلس محافظة البصرة: إن «أكثر من 20 عضواً في المجلس وقعوا على طلب بتحويل البصرة إلى إقليم» من أصل 35 عدد أعضاء المجلس، موضحاً في مؤتمر صحفي في الـ7 من الشهر ذاته، أن «مجلس محافظة البصرة قدم طلباً حول إعلان تشكيل إقليم البصرة إلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ومجلس النواب ومن المؤمل أن يتم تحويله إلى مفوضية الانتخابات خلال 15 يوماً»، وأنه «بمجرد نقل الطلب من رئاسة الوزراء إلى مفوضية الانتخابات عندها سيكون الأمر والقرار بتشكيل إقليم البصرة منوطاً بسكانها فقط».
لقد سبق أن كانت هناك محاولتان لتحويل محافظة البصرة إلى إقليم لم تتكللا بالنجاح، واحدة في عام 2008 قادها النائب السابق وائل عبد اللطيف، والثانية في عام 2015 حين قدم النائب السابق محمد الطائي طلباً آخر إلى المفوضية العليا للانتخابات لإقامة الإقليم مصحوباً بتواقيع 44 ألف ناخب الذي قبلته المفوضية، إلا أن الحكومة المركزية وجهت بالتريث في تنظيم الاستفتاء الأولي، لظروف القتال مع تنظيم داعش آنذاك.
وكالعادة تنطلق دعوات تحويل البصرة إلى إقليم، كلما ساءت الأوضاع الخدميّة في المحافظة، فعلى الرغم من أن هذه المحافظة تقدم نحو 80 بالمئة من الإيرادات المالية لموازنة العراق الاتحادية، إلا أن سكانها يعانون نقصاً حاداً في الخدمات العامة كالكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الصحية، إضافة إلى تفشي الفقر والبطالة، وانتشار التلوث البيئي جراء ملوحة المياه وانتشار الغازات السامة المرافقة لعمليات استخراج النفط والغاز، كما يشتكي الأهالي من الفساد الإداري والفشل الحكومي في مفاصل المؤسسات الرسمية بالمحافظة، الذي دفعهم إلى الخروج مراراً بتظاهرات مطلبية حاشدة، كان آخرها في تموز 2018 التي سقط فيها العديد من القتلى والجرحى نتيجة الصدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، إضافة إلى قيام المتظاهرين بإحراق العديد من المنشآت الحكومية، ومقار بعض الأحزاب السياسية في المحافظة.
إن الإجراءات الأخيرة لحكومة عادل عبد المهدي، في افتتاح المنافذ الحدودية مع الأردن والسعودية وتقديم التسهيلات والإعفاءات الجمركية لهما، زاد من غضب المسؤولين في البصرة، وبخاصة أن مجلس محافظة البصرة قد قدّم طعناً إلى المحكمة الاتحادية بالفقرات التي تتعلق بنسب عائدات المحافظة من إيرادات النفط الخام المنتج فيها الواردة بالموازنة المالية العامة لسنة 2019، إضافة إلى تقديمه طعناً آخر بمذكرة الاتفاق المشترك بين العراق والأردن الموقع في الـ29 من كانون الأول 2018، المتضمنة إعفاء 371 سلعة أردنية من الرسوم الجمركية الداخلة إلى العراق، حيث يرون أن تلك التسهيلات ألحقت ضرراً كبيراً بالموانئ والمنافذ الحدودية للمحافظة، وبالعوائد المالية الجمركية والتجارية منها، مؤكدين أن إيرادات المنافذ الحدودية في المحافظة قد تراجعت بنحو 20 بالمئة.
وفي الـ7 من نيسان الماضي قدم عبد الأمير سالم عضو مجلس محافظة ذي قار طلباً إلى الحكومة المحلية لإعلان المحافظة إقليماً على غرار البصرة.
وبعد تعالي بعض الأصوات المنادية بإنشاء إقليم سنّي في محافظتي الأنبار وصلاح الدين مؤخراً، قال النائب عن محافظة الأنبار محمد الكربولي الأمين العام لحزب «الحل» خلال برنامج «حق الرد» الذي بثته «قناة السومرية» الفضائية في الـ7 من أيار الحالي: «إنني أدعم الإقليم السنّي على أن يكون جزء من العراق»، موضحاً «كنت ضد تكوين الإقليم السنّي عام 2010 لاعتقادي بأن هناك فسحة أمل لتعايشات سياسية وأن شركاءنا السياسيين سيقفون معنا ويساعدوننا إلا أن مناطقنا تضررت».
لقد أجاز الدستور العراقي في المادة 119 منه، لكل محافظة أو أكثر أن تعمل على تشكيل إقليم، شريطة ألا يكون على أساس طائفي، وذلك بطريقتين: إما بطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة، أو بطلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ووفقاً للإجراءات التي بينها القانون رقم 13 لعام 2008، فإن طلب التحول إلى إقليم يقدم إلى رئيس مجلس الوزراء للتصويت عليه خلال 15 يوماً، وفي حال الموافقة يحال الطلب على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإجراء استفتاء شعبي على إنشاء الإقليم في موعد لا يتجاوز الـ3 أشهر، فإذا حظي بأكثر من نصف المصوتين يصبح أمراً قائماً، بعد تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الاستفتاء، ونصت المادة 120 على وضع دستور خاص بكل إقليم، من شأنه «تحديد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياتها، وآليات ممارستها، على ألا يتعارض مع الدستور الاتحادي»، كما منحت المادة 121 منه «سلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقاً لأحكام دستورها الخاص، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية».
إن الدستور العراقي الذي انُجز باستعجال بعد سقوط نظام صدام حسين تحت مظلة الاحتلال الأميركي للعراق، كان قد كُتب تحت ضغط الخوف من عودة قبضة الحكم المركزي، وضغط الأكراد الذين أرادوا إنشاء إقليم كردستان والتمهيد بهذا الدستور الانفصال لاحقاً عن العراق، ومن ثم فإن آليات إنشاء الإقليم بموجب الدستور العراقي ليست بالمعقّدة أو الصعبة، بل فيها من التساهل ما يثير عدداً من التساؤلات بشأن الغايات والأهداف من تسهيل إجراءات إنشائه.
إن الفساد السياسي والفشل الحكومي في توفير الخدمات الأساسية اليومية التي يعاني فقدانها أهالي البصرة مع انتشار البطالة والفقر، هو المدخل الأساس لتحريك مشاعر البصريين وقيادتهم باتجاه إنشاء الإقليم، حيث يتفاعل السكان في البصرة الآن بشكل لافت مع فكرة الإقليم، لاعتقادهم أن ذلك سينقذهم مما هم فيه.
إن مروجي فكرة تحويل محافظة البصرة إلى إقليم يسعون إلى إقناع مواطني البصرة، أن التحول إلى إقليم سيمنح سياسيي البصرة السلطة الكافية لإدارة المدينة وحل مشكلاتها العالقة، من خلال إدارة مواردهم البشرية والمالية بشكل مباشر ومستقل عن هيمنة الحكومة المركزية في بغداد، كما هو جار في إقليم كردستان، وقد أسسوا مؤخراً «منتدى البيت البصري للثقافة الفيدرالية»، و«تجمع إقليمنا»، وغيرها من التجمعات، لتسويق ذلك، والدفع باتجاه تأسيس الإقليم البصري من خلال إقامة الندوات الأسبوعية والأنشطة المختلفة، رغم أن القوى السياسية المحلية في البصرة هي ذاتها ستبقى الحاكمة، التي ستزيد من حجم الخراب والفساد كنتيجة للصراعات الشرسة التي ستنشأ عن تقاسم النفوذ بينها، لو أقر التحول إلى إقليم، وسينتعش في ظل ذلك انتشار المافيات والعصابات التي تتاجر بالمخدرات والأسلحة عبر الموانئ، مستفيدة من واقع التناحر العشائري المسلح في المحافظة حيث ستسعى كل منها إلى وضع يدها على آبار النفط ضمن نطاق سيطرتها، وخاصة أن هذه العشائر غالباً ما تتقاتل بينها لدى أي احتكاك، ما سيخلق واقعاً أمنياً غير مستقر، يدفع بالمحافظة إلى المزيد من التشظي والتقسيم، وقد وقع آخر صدام عشائري مسلح في الـ24 من نيسان الماضي بين عشيرتين استخدم فيه مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في منطقة «كرمة علي» الواقعة ضمن قضاء «الهارثة» في محافظة البصرة، بسبب قيام إحدى العشيرتين بفتح المياه على أرض العشيرة الثانية، الأمر الذي أدى إلى تضرر أرضها المزروعة بالرز، متسبباً في سقوط أربعة مدنيين بين قتيل وجريح، وبإلحاق أضرار مادية جسيمة بالدور السكنية.. إن خطوة مجلس محافظة البصرة في طلب التحول إلى إقليم، لا يبدو أنها ستحظى بموافقة رئاسة مجلس الوزراء المطلوبة، لأن صلاحية ولاية المجلس المحددة بـ4 سنوات انتهت في حزيران 2017، ومن ثم فإن المجلس لا يتمتع بشرعية اتخاذ قرار كهذا.
البصرة، عاصمة العراق الاقتصادية، ورئته على الخليج العربي، هي مطمع ومدخل للعبث بشؤونها، الذي لن يتم من دون معونة ودسائس بني سعود والمشيخات الخليجية المرعوبين دائماً من الدول التي لديها ماض حضاري أزلي.
إن ما يُلفت الانتباه، تتالي دعوات وطلبات إنشاء الأقاليم مؤخراً، ما يعني أن خطر تمزيق العراق وإدخاله في حروب أهلية داخلية من مدخل الأقاليم الدستوري سيظل أمراً قائماً وممكناً على الدوام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن