كيف لنا أن نهرب من زحمة الحياة ومشاكلنا اليومية واللجوء إلى مساحات حلم تنقلنا بعيداً عن واقع مأساوي جاء إلينا متلفعاً بعباءة سوداء تحمل معها كل ظلمة الكون؟
بين الحلم وبين الواقع أحاول اليوم أن أتنقل على زوايا الحروف، وفي بحور الأبجدية، فربما أجد الوصفة السحرية التي تعينني على تجاوز الحريق الذي لامس كل شيء، وأشعل النيران في مدن الملح الممتدة على تخوم الصحارى واليباب.
يقول الواقع إننا نعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث، وربما لم تمر مثيلتها منذ مئات السنين: حصار وعقوبات قاسية وتهديدات خارجية وحرب داخلية، ولا يستطيع أحد نكران كل ذلك.
ويقول الواقع إن الأسوأ من كل ذلك أننا نتعرض للابتزاز والسرقة من الداخل، وممن يفترض أنه يقف في خندق السوريين الذين ذاقوا كل صنوف العذاب والقهر والحرمان والخوف وفقدان الأمن والأمان.
هناك من يسرق رغيفهم في وضح النهار كي يضع دولاراً إضافياً في مصارف سويسرا وجزر كايمان التي لا يطاولها قانون على وجه البسيطة، فهل تصدقون، مثلاً، أن بعض أو أغلب التجار يستغلون شهر رمضان المبارك كي يرفعوا أسعار كل شيء في وقت لا يجد فيه الفقير كفاف يومه؟
وأكثر من ذلك، فإن نسبة الفساد ارتفعت خلال الأزمة بشكل مرعب بدلاً من أن تتراجع، لأن المفترض أن يحس السوريون بأشقائهم السوريين، لكننا نجد أن هناك سوريين أغنياء، وازدادواً ثراء، وأن هناك فقراء والأزمة زادتهم فقراً وفاقة وعوزاً.
هكذا يقول الواقع، ولن أزيد لأن كل واحد من أبناء سورية لديه ألف قصة وقصة، لكنني سأذهب إلى الحلم، والحلم يقول: دع الشمس تشرق كل صباح وأنت تبتسم وتفتح نافذة جديدة لأمل قادم، ولا تستقبل نهارك بعبوس وإحباط وتخاذل.
أنا شخصياً أستقبل الشمس كل صباح بحالة تبعث الفرح في النفوس، وتبهج الروح والقلب، فإن تستقبل يومك الجديد بمهرجان النور والضوء مع سيمفونية تعزفها العصافير والحمائم، فستنسى الحزن الذي كاد يهدك ويحطم سفنك الراسية في بحر الأمل. وما بين الزقزقة والهديل تبدأ نهاراتنا ونعلن أننا مستمرون في الحلم والحياة متجاوزون عثرات وهموم الواقع المأساوي.
كم نحن بحاجة إلى حزمة من نور لنغزلها نسيجا يضيء نفوسنا المتعبة والخروج من هذه الظلمات التي غرقنا وأغرقونا فيها.
من يعشق الحياة والفرح والحرية والانطلاق لا تعقه جبال التحدي، ولا جحافل الغيلان وأسراب الجراد التي هجمت علينا تريد سرقة أحلامنا وزراعة دروبنا المزهرة والمعشوشبة بالأشواك والصبار.
اتركوا لأنفسكم مساحة، ولو صغيرة، لحلم قد يتحقق، ولأمل أمامكم ولكنكم لا تريدون رؤيته، فلو هجركم ورحل نحو يأس محتمل فقد لا يظهر من جديد، فنعمة الأمل هي العملة التي نحتاجها في هذا الزمن الصعب قبل أن يخنقنا اليأس ويرهقنا حزن عميق وثقيل يرفض الرحيل!
اتركوا الواقع قليلاً، ولا تهجروه، واذهبوا إلى الحلم الذي قد يكون الترياق الذي تبحثون عنه، ولو كعلاج موضعي مؤقت!