من دفتر الوطن

القلق الأليف

| عبد الفتاح العوض

عندما أراد «فرويد» أن يعرف القلق قال «لست بحاجة إلى تقديم القلق لكم فكل منا ابتلي بهذا الشعور».
لكن من أكثر التعاريف شيوعاً ذلك الذي قاله مارتن كوفنجنتون: القلق هو الانشغال بالمتاعب قبل وقوعها.
ما الذي يقلق السوريون الآن؟
بالتأكيد لكل قائمته الخاصة ولكل مخاوفه الشخصية ورغم أن ثمة فارقاً بين القلق والخوف لكن في حياتنا يتداخلان بشكل لانكاد نفرق بينهما.
ربما يكون التفريق بينهما في تعاريف علم النفس والمختصين لكن في دواخلنا تتداخل هذه المشاعر بحيث لا نعرف أي منها خوف وأي منها قلق.
أعود للسؤال الرئيسي هنا: ما قائمة القلق والمخاوف، عند السوريين؟
كل البشر يتشاركون مجموعة من المخاوف العامة وتنتابهم هواجس القلق وتكثر الأسئلة حولها، وهذا لا يختص بالسوريين فقط بل هي هواجس إنسانية وحالات من القلق «العالمي» إن صح التعبير.
فالناس تخاف من الموت وما زال هذا اللغز المستحيل يؤرق كل البشر، نخاف من الموت ونجهل ما بعده.
أيضاً ما زالت صحة البشر مصدر قلق لهم وبالتالي يخاف الناس من الأمراض بشكل عام ومن أمراض محددة بشكل خاص، ويبقى المرض أحد شواغل البشر سواء من التأثير في ممارسة اليوميات الحياتية أم حتى في التكاليف المرتفعة للعلاج.
قائمة القلق الإنساني طويلة.. لكل منا مخاوفه التي تبدأ من الخوف من الظلام إلى الخوف من الزوجة إلى أن تصل إلى الخوف من الحكومة!
لكن نحن السوريين لدينا مخاوفنا الخاصة، وهي في هذه المرحلة في معظمها يتعلق بالمستقبل وبالشأن العام.
خلال الحرب، وعلى مدار ثماني سنوات صعبة، استطاع السوريون خلق حالة من «الاعتياد» مع الأزمات.. أصبحت جزءاً من حياتهم وكان هناك قدرات خاصة للتأقلم معها، ولا أستطيع أن أحدد من الذي «دجّن» هل الأزمات دجنتنا أم إننا نحن الذين حولناها إلى أزمات «أليفة».
ولا شك أن هذا لم يكن سهلاً، وحسب ما نرى ونتابع فإن مسلسل الأزمات مستمر، ففي فترات تشتد وتحتد، وفي فترات أخرى تخفت وتخف، لكنها موجودة وستبقى على ما يتبدى لنا جزءاً من حياة السوريين.
وما أقوله هنا ليس للتخفيف منها أو لرفع المسؤولية عن المسؤولين عنها بل كنوع من رسم الصورة كما هي بلا تجميل وبلا وعود لا تتحقق.
لكن أكثر ما يجب أن نأخذه في أعلى قائمة القلق بل الخوف أيضاً هو كيف نصنع مستقبل سورية؟
لدينا جامعات ومراكز أبحاث وندوات لكن لم يجتمع بعد صناع الفكر والقرار معاً ليتدارسوا الإجابة عن هذا السؤال الصعب.
لا يوجد جهة واحدة تستطيع بمفردها أن تضع جواباً شافياً، ويلزمنا الكثير من الجهد لنبعث برسالة لكل سوري مفادها «لسنا في خطر».
«ستاك سوليفان» واحد من علماء النفس الذين يعتبرون القلق حالة إيجابية لأنه يحرض على المواجهة، إنه إنذار يسمح للفرد بمواجهة الموقف بصورة أفضل.
لا داعي للقلق، كلمة مريحة لكنها قد لا تكون صحيحة.
أقوال:
الناس من خوف الذل في ذل.
أنا الغريق فما خوفي من البلل.
ليس أحقر من احترام مبني على الخوف.
تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن القدرة على التغلب عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن