«توك شو» مصطلحٌ يُطلق على برامجِ الحواراتِ التلفزيونية، تلكَ النوعية من البرامج التي شكلت علامة مميزة للكثيرِ من القنوات العالمية. في سورية لم نكن نعرِف نوعاً كهذا من البرامج إلا عبر القنوات اللبنانية وما تبثهُ من برامج سياسية تستضيف من خلالها طرفين يقدم كل منهما وجهةَ نظره ويدافع عنها، كانت هذه البرامج في تلك الفترة كفيلة بالغرض، لأنها تحقّق في الداخل السوري أمرَين:
إبعاد الإعلام الرسمي السوري عن «الحديث في السياسة» وتقدم وجهة النظر السورية بطريقةٍ غيرِ مباشرة.
مع مطلع العام 2005 وبدء الحملة الشعواء على سورية كان لابد من التعاطي إعلامياً بطريقةٍ مختلفة، فبدأت بعض الشخصيات السورية بالظهور في البرامجِ الحوارية على القنوات الناطقة بالعربية، حتى جاء الربيع العربي وجاءَت معه الحرب على سورية.
خلال الحرب كانَ لابد من كسرِ كلّ القيود التي تحيط بما يتعلق بالحوارات السياسية، فالانكفاء خلف عبارة «الحيطان لها أذنين» لم يعد مجدياً، فبدأت تنهال برامج الحوارات السياسية على قنواتنا المحلية، وإن كنا نحترم أي جهدٍ يحاول تقديم ما لديه فإننا هنا لا نسعى لتقييم أي تجربة بقدر ما هو سعي للوصول نحو الأفضل عبر ملاحظاتٍ منطقية:
نبدأ من الأسماء، فمن قالَ إن الأسماء المزلزلة للبرامج ستعني أن نسب المتابعة ستحقق الأرقام القياسية؟ ثم إن فكرة برامج حوارية كهذه تتطلب كاريزما خاصة أهمها الثقافة العالية للمقدم ومتابعته الدقيقة لكل ما يُكتب ويُنشر في كبريات الصحف ليتمكن من مقاطعة الضيف وتصحيح المعلومات لديه.
كذلك الأمر فإن من بديهيات برامج الحوارات السياسية أن يكونَ هناك فكرتان متناقضتان، بالتأكيد ليسَ تناقضاً سلبياً من قبيل:
هل أنت مع استعادة الجولان أم لا؟
نتحدث عن تناقضٍ يخلق الحد الأدنى من مصداقية طرح الفكرة وتطوير النقاش، ليجعل المتلقي ينتظر أسبوعياً عودة البرنامج لا أن يبحث عنه في القنوات الأخرى، إذ لا يكفي أن يكون مقدِّم البرنامج هو من يتبنى وجهة النظر الثانية لأنه سيسقط في المجاملات واللا حيادية، فالمسار الأحادي يُسقط الهدف الأساسي من برامج كهذه فعلى سبيل المثال:
عندما يكون هناك برنامج هدفهُ الإضاءة على عملِ وزارةٍ ما فلماذا لا يكون هناك من يُدافع عن عمل الوزارة، وآخر يقدم الأدلة على تقاعسها، عندما يكون هناك ضيف يتحدث عن انهيار المشروع الأميركي في المنطقة فما المانع أن يكون هناك رأي يناقض هذا التوجه بإطار لا يخرج أساساً عن رفض المشاريع الأميركية في المنطقة، لكنه يقدم تصوراً جديداً للحال الذي وصل إليهِ هذا المشروع، ما المانع مثلاً أن يكون هناك حلقات عن دور الجبهة الوطنية لا لنتغنى بها فقط، لكن للحديث عن الذين أعاقوا تقدمها، تناقضات كهذه بإمكانها خلق مصداقية تصاعدية ليس للبرنامج فحسب بل للمنظومة الإعلامية كلها.
ما زال لدينا فرصة لجذبِ المشاهد ببرامج تتجاوز العقلية القديمة في الهروب من المشاكل بدلَ مواجهتها بكل شفافية، يجب عدم تفويت فرصة كهذه كي لا نبدو كمن كان يحلم بأن يمتلك سيارةً فارهة، ورغم توافر الإمكانات لديهِ للحصول عليها فإنه فضَّل الحل الأسهل، جاء بـ«التُوك التُوك» ذي العجلات الثلاث ووضع عليهِ شارة تلك الماركة الفارهة، والمشكلة أنه ما زال مقتنعاً أن من حولهِ مقتنعون بأن مايرونه هو «تُوك شو» وليس «تُوك تُوك شو».