ثقافة وفن

مسرحية سلمى والغيلان وحلم الانتقال من حياة الفقر لحياة الغنى … النص وقع في فخ البحث عن الإيجابية المفروضة من الخارج

عامر فؤاد عامر :

يوضح لنا الفيلسوف اليوناني «أرسطو» بأن هناك علاقة وطيدة بين النفس الإنسانية والفضيلة، وأهمية وجوب معرفتها من أجل الوصول إلى النعيم الأبدي، وفي مسرحيّة سلمى والغيلان تبدو فضيلة الخير والسعي لأن تكون سلمى إنساناً خيّراً هي الهدف الأساسي الذي عالجته المسرحيّة.

تجربة جديدة
سلمى والغيلان تجربة جديدة في مسرح الطفل في سوريّة، وهي من تأليف وإخراج «رشاد كوكش»، وقامت بدور سلمى الفنانة «روجينا رحمون» أمّا شخصيات المسرحيّة فلعبها كلّ من «تماضر غانم»، و«إيمان عودة»، و«بسام ناصر»، وبمشاركة «عدي الغوطاني»، و«صبا رعد»، و«رضا شاهين»، و«ريما العقباني».

حياتان
تدور أحداث اللعبة حول مقارنة بين حياتين الأولى؛ العيش تحت سقف الفقر، والثانية العيش في نعيم الغنى، ولكن المقارنة ليست في هذا الجانب وحسب إنما في شرطيّة الانتقال من الحياة الأولى إلى الثانيّة، وهنا يأتي دور الخيال، والبحث عن عنصر مشوّق يأخذ بالأطفال نحو قصّة فيها الكثير من لفت الانتباه، والانجذاب للحدث عبر ولادة شخصيّة الغول الطيب، الذي أحبّ أن يردّ جميلاً قامت به أم سلمى في يوم من الأيام مع والدته الغولة، وبذلك يسعى الغول لتحقيق رغبة وأمنية سلمى في أن تحيا في قصر كبير مع مالٍ وفير، وترف في كلّ التفاصيل، لكنه وقبل تحقيق الرغبة يشترط عليها مجموعة من القواعد لكي تحافظ على النعمة والقواعد أو الشروط التي تدور حول بقائها متواضعة والسعي لتقديم المساعدة لكلّ فقير ومحتاج.

توضيح
وقع النصّ في فخ جوهري؛ وهو أن السعي لأن يكون الشخص إيجابياً يجب أن يُحمّل بشروط عليه أن يطبقها، وعلى الرغم من أنها شروط إيجابيّة! ولكن أن تكون مشروطة! هذا يعني أن العامل الخارجي هو الذي يتحكم بالشخصيّة، وسعيها لأن تكون خيّرة، ولكن الحكمة والحقيقة تشير إلى أن السعي للخير، وللفضيلة، والقيمة الحقّة، يجب أن تكون نابعة من دواخل الإنسان من دون شروط، ومن دون تعلّق بالماديّات، وهنا تقع المشكلة التي بُني النص عليها، فكان دافع سلمى في حبّ المال والعيش في الترف والغنى هو الأساس في رغبتها للتغير وليس حبّ عمل الخير! وقد التقينا مؤلف ومخرج المسرحيّ «رشاد كوكش» ليمنحنا إضاءة حول النصّ بعد سؤاله عن هذه الفكرة فيجيب: «حاولت مناقشة فكرة الثراء الفاحش ومحدثي النعمة وكيف يجب أن يكون الوعي كافياً عندما ينتقل المرء من حال الفقر لحال الغنى، فسلمى عندما خرجت من حالتها تلك مارست مع الخادمة ما مارسته عليها صاحبة القصر الذي كانت تخدم فيه، وهذا دليل عدم الوعي، وهذا الصراع داخل النفس البشريّة طبيعي جداً، وبالتالي الوصول إلى مشهد أن سلمى غير قادرة أن تكون سيدة للقصر إلا بعد أن تقع في العقوبة التي يجب أن تنالها».

قناع الغول
حملت المسرحيّة الكثير من المشاهد الجميلة المشوّقة التي جعلت الأطفال متفاعلين في العلاقة مع الممثل على خشبة المسرح، فكانت سلمى ولدى تورطها في أيّ مسألة؛ تسألهم مباشرة، وتأتي انفعالاتهم وإجاباتهم حاضرة وسريعة، وهذا يدل على إيجابيّة العمل، وفاعليّة الممثلين، ولاسيما أن هناك أغنيات ورقصات جاءت منسجمة مع الحكاية وقريبة من نفسيّة الشخصيّة، مع ألوان كثيرة اعتمدها الديكور والتي عبرت عن مشاهد المسرحيّة بصورة ناجحة بين البيت المتواضع، والقصر الفخم، وعلى الرغم من اختصار الديكور، واعتماده على هذين المشهدين إلا أن المتلقي لم يجد مللاً في ذلك لتوظيف المشاهد مع الإضاءة، والألوان، والأغنية بصورةٍ ناجحة، ولكن يبقى لمشاهد الخوف التي ارتبطت مع الغول صورتها المرعبة التي من المتوقع أن تلتصق في ذاكرة الطفل لفترة طويلة من الزمن، وكان من الأجدر دراسة هذا التفصيل بصورة أعمق لتذهب المسرحيّة في نجاحها أكثر، ولدى سؤالنا عن هذه النقطة قال الفنان «رشاد كوكش»: «وضعت في الإعلان الخاصّ بالمسرحيّة بأنها موجّهة للأطفال من عمر السابعة فما فوق، فالطفل الأصغر من هذا السنّ مكانه في مسرح الدمى والعرائس، وليس في أنواع العروض الأخرى، كعرض سلمى والغيلان، فالمسرحيّة هذه للسنّ الأكبر أي للفتية، واليافعين، وليس للأطفال دون السابعة، وأتمنى لو كان هناك توعية خاصّة بهذه المسألة، تقوم بها وزارة الثقافة أو وزارة التربية مثلاً، فهناك فرق كبير بين المسرحين، وما يقدم للأطفال تبعاً لأعمارهم، وقد اشتكى البعض حول هذه الفكرة ووصلتني الشكاوى وخاصّة أن قناع الغول الشرير هو قناع قاس، وسأسعى لتغيير القناع، وطلبت من مصمم الملابس تغييره، لكن الجو المحيط بالمشهد القصد منه التشويق، وليس الإخافة، وهي مقدّمة للطفل من السابعة فما فوق، وهو طفل بدأ بمشاهدة البرامج، والمسلسلات، والتقاط المعلومات منها، ولا يمكن لمثل هذه المشاهد أن تكون جديدة ومؤذية له».

الثواب والعقاب
ومن النقاط التي تحدّثنا عنها أيضاً هي لغة الترهيب والترغيب، التي اعتمدها النص في مرحلة الانتقال، القائمة بين إخفاق سلمى في تطبيقها للشروط التي شرطها الغول عليها مسبقاً، وتحوّلها لضفدعة كئيبة بسبب قسوتها وتعاملها الجاف مع الفقراء، وتعدّيها على الخادمة المسكينة، وبالتالي كثرة الأخطاء، ونقض القواعد والشروط التي فرضها الغول عليها، ولكن مسألة الترجي التي قامت بها والدتها مع الخادمة تجاه الغول الطيب، وكثرة البكاء، والصراخ، والانفعال من أجل إعادة سلمى إلى إنسان بدلاً من ضفدعة، وزوال العقاب عنها بسبب الخطأ الذي ارتكبته، كانت غير مقنعة كفاية، فكان للترجي مكانة غير مناسبة هنا في تخلي الغول عن موقفه في معاقبة السيئ ومكافأة الخيّر، بالتالي يمكن للطفل أن يكتسب فكرة غير جيدة في هذه الحبكة، وهي أنه سيخطئ وبعد ذلك سيسعى لإلغاء الخطأ، بوسيلة قد تكون بالبكاء أو الترجي أو طريقة ما، وعن هذه النقاط ومعالجتها يقول كاتب ومخرج المسرحيّة «رشاد كوكش»: «المسرحية في 45 دقيقة ناقشت مسألة الثواب والعقاب، وليس الترغيب والترهيب، ودمجتها في لغة من التشويق مع الموسيقا، والأغنية، وكثير من المشاهد الأخرى، بهدف ألا يملّ الطفل أو يتلقى الموضوع بصورة جافة، وعن فكرة قبول الغول الطيب لترجي أم سلمى هي فكرة قائمة على السذاجة، بمعنى رغبة الغول الطيّب في إكرام سلمى بداية بسبب مساعدة والدتها لوالدته أثناء ولادته، وأيضاً تكرار المساعدة بسبب طيبته المتناهية في عدم ردّ طلب أم سلمى من جديد، ومن ثمَّ لا يمكن للغول الطيّب أن يكون بهذه الصفة إلا أنه قدّم المساعدة واستجاب للنداء، وأود أيضاً أن أشكر مديريّة المسارح والموسيقا على دعمها الدائم لنا، وتذليل كل الصعوبات وخاصة في موضوع التيار الكهربائي ووصله في فترة العرض يوميّاً، وأشكر كل من عمل لإنجاح العمل وساهم في دفعه نحو الأمام وكذلك الشكر لكل من حضر وتابع على الرغم من ظروف العاصفة الرمليّة والظروف المعيقة الأخرى».

أخيراً
بقي أن نذكر بأن «سلمى والغيلان» عمل مسرحي يقدّم على خشبة مسرح القباني وهو برعاية وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقا، مسرح الطفل والعرائس، ساهم في إنجازه عدد كبير من الفنيين ومنهم «نوفل حسين» مخرج مساعد، و«هشام عرابي» في تصميم الأزياء، و«نوف رافع» في تصميم ديكور، و«أدهم سفر» في تصميم الإضاءة، و«أيمن زرقان» في الموسيقا والألحان، و«جمال تركماني» في تصميم وتدريب الرقصات، وغيرهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن