قضايا وآراء

أميركا وجامعاتها الخاصة ومشاريع تغيير الأنظمة!

| تحسين الحلبي

لا أحد يستغرب حين يقرأ أن الولايات المتحدة تعد جامعات أكاديمية سياسية وعسكرية لابتكار أفضل الطرق لقلب أنظمة حكم لا ترغب بوجودها في دول كثيرة.
وظهرت في إحدى وسائل التعليم والدراسة وثيقة من 250 صفحة تحت عنوان. «تأييد المعارضة: هدف إستراتيجي وفعالية» أعدها ضابط متقاعد من القوات الخاصة الأميركية على شكل دليل لوكالات المخابرات الأميركية في وسائل وطرق قلب أنظمة الحكم تضمنت تجارب أميركية منذ عام 1941 حتى عام 2003، ولإطلاع كل طالب جامعي أميركي يريد الحصول على هذا الاختصاص الأميركي من هذه الجامعات!
في مجلته الإلكترونية الأميركية، يكشف ويليام بلوم، وهو الذي أصدر عدداً من الكتب الوثائقية عن التدخل العسكري الأميركي ورعايته لقوى معارضة لقلب الأنظمة، أن الولايات المتحدة قامت بتنفيذ ما يقرب من ستين محاولة انقلاب منذ عام 1949 حتى عام 2014، وبالمقابل يقول الضابط المتقاعد ويل إيروين الذي وضع «دليل وسائل تنفيذ الانقلابات» بموجب ما نشره موقع «آر. تي» بالإنكليزية: إن مادة الاختصاص بالانقلابات تتضمن 47 حالة انقلاب 23 منها نجحت و20 أخفقت والبقية نجحت بشكل جزئي.
ويكشف «دليل الانقلابات» أن الإدارات الأميركية تستند في تنفيذ هذه المهام إلى وجود عملائها داخل الدولة المستهدفة سواء أكانوا من بعض قادة أحزاب المعارضة أم المنظمات السرية المعارضة للحكومات وتقوم بإعداد الخطط التي لا تستبعد فيها تنفيذ بعض أشكال التدخل العسكري بحسب الحجم المطلوب لنجاح الانقلاب.
ومن قائمة الدول التي تظهر في الوثائق الأميركية سورية وفشل محاولة الانقلاب فيها عام 1956-1957 وانقلاب عام 1961 الانفصالي عن الوحدة وكذلك انقلاب عام 1957 ضد عبد الناصر، وتحتل دول أميركا اللاتينية والشرق الأوسط أكثر حصة من المحاولات الأميركية «لتغيير الأنظمة».
يبدو من الواضح أن ما جمعته الإدارات الأميركية من خبرات في تنفيذ مشاريع «تغيير الأنظمة» أتاح لها استخدام هذه الخبرة الاستعمارية مع بداية عام 2011 حين استهدفت عدداً من الدول العربية وفي مقدمتها سورية وإيران وليبيا، ويظهر من التوقيت الذي اختارت فيه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2009 العمل على تنفيذ حملتها «لتغيير الأنظمة» في الشرق الأوسط أنه ترافق مع بداية التحرك الروسي لتعزيز علاقاته مع دول كثيرة في المنطقة، ووجدت إدارة أوباما أن «فراغاً نسبياً» في بعض دول الشرق الأوسط قد يمهد الطريق إلى زيادة التأثير الروسي في المنطقة ولذلك لا بد من ملئه بالوجود الأميركي القوي أو بالردع الأميركي لروسيا نفسها، ويبدو أن إدارة أوباما قامت بتقسيم دول المنطقة إلى نوعين بعض منها مناهض للسياسة الأميركية مثل سورية وإيران وآخر من نوع الدول الصديقة لكن حكامها قد لا يتمكنون من حماية المصالح الأميركية فيها، ومع هذا التقسيم قررت تنفيذ خطة «تغيير الأنظمة» في سورية وإيران المناهضتين لهيمنتها وفي ليبيا التي أصبحت من الدول الصديقة للغرب وكذلك في مصر وتونس وهذا تماماً ما بدأت تنفيذه حين شنت الحرب الإرهابية على سورية في آذار 2011 وطالبت الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي بالاستقالة أمام حركة المعارضة التي خرجت إلى الشارع دون أن تدري بخطة أوباما وأهدافه من هذا الطلب أما العقيد القذافي فأدركت واشنطن أنه لن يلبي طلبها فأعدت له سيناريوهاً من أبشع السيناريوهات وحشية لتغيير نظامه وصمدت سورية وإيران والمقاومة في وجه أكبر حرب إرهابية تشنها واشنطن وتل أبيب على دولة مثل سورية فلم تكن الخطة «محاولة تغيير نظام» بل حرب إبادة وحشية تمكنت سورية وحلفاؤها من هزيمتها وإحباط أهدافها وأصبحت أكثر قدرة عسكرية ومعنوية وسياسية على مستوى المنطقة.
وشكل انتصارها رافعة كبيرة لكل دولة تتطلع إلى المحافظة على استقلالها وسيادتها وحماية مصالح شعبها الوطنية والسيادية.
ومثلما أحبطت سورية هذه المشاريع لم تتمكن واشنطن من تحقيق أهدافها في تونس ولا في مصر لأن من أعدتهم للحكم فيهما من حركة الإخوان المسلمين لم يتمكنوا من النجاح في تحقيق أهدافها وهزمتهم حركة الشارع العربي الوطنية والقومية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن