لست ناقداً درامياً ولا أتعدى على هذه المهنة، وإنما أرغب في سرد ملاحظات شخصية، على موسم الدراما الحالي، علماً أنه من الظلم لجهود عاملي هذا القطاع حصر تسويق إنتاجهم بهذا الشهر، ومطه وشطه لثلاثين حلقة على امتداد شهر الكسل التلفزيوني من دون حاجة فنية حقيقية. ولكن بغض النظر، – تذهلني الدراما التاريخية التي يقدمها هذا الموسم بمستوى النظافة التي يظهر فيها الجميع كممثلين يؤدون أدواراً مختلفة، ومعهم الطرقات والبيوت والأرضيات والجدران، فلا وحل ولا غبار تقريباً، ولا جيف ولا روث حيوانات، ولا أوساخ تحت الأظفار، ولا قمل في الشعر، ولا لحى كثة، ولا شعر منكوشاً، ولا أسنان ناقصة بل أناقة ورهافة ونقاء في كل شيء، وبل حتى الخدود المنفوخة والشفاء المضخمة حاضرة. يبدو أننا ظلمنا من هذه الناحية بالعيش في العصر الحالي.
-ثمة أعمال نالت من الترويج والإعجاب ما هو أكثر بكثير مما نالته مع عرض حلقاتها الأولى، وذلك لارتباطها بأسماء محددة سواءً كانت من كتاب أم مخرجين أو حتى ممثلين، لكن اجتماع عناصر النجاح كلها ليست مرتبطة بوجود عنصر دون الآخر، كما أن النص المثير والمخرج الشهير وحتى ظهور ممثل استثنائي في منتصف العمل لا يكفي ليصنع عملاً نموذجياً استثنائياً.
-يعيب هذا الموسم أن يأتي متزامنا مع عرض الموسم الأخير من مسلسل «لعبة العروش» العمل البارز عالمياً. المقارنة مجحفة وغير عادلة ورغم أن العمل لا يخلو من عناصر غير مقنعة بدوره، إلا أنه مثال مهم للفجوة الهائلة الموجودة في هذا المجال «بيننا وبينهم ».
-رقابة إحدى الدول العربية حصدت ثلث حلقة تلفزيونية من أحد المسلسلات، علماً أن رقابتنا سمحت بالعمل -ومع هذا فإنه يجدر التذكير بأن رقابتنا ذاتها أعاقت عرض مسلسل جيد لمدة موسم كامل بحجج مختلفة، الأمر الذي يعيد لأذهاننا تكرار القول: إن الرقابة أحياناً تكون موظفاً بعينه، وأنها متشتتة بين العرب كما العرب أنفسهم.
-كأنما الدراما المشتركة نالت السخرية هذا الموسم، على الأقل في وسائل التواصل الاجتماعي سواءً تحدثنا عن أعمال أم فنانين. هذا ربما يكون مؤشراً إلى أن موضتها بدأت بالأفول، وإن حاجة المشاهدين للفنانين والفنانات المرسومين بالمساطر باتت أقل، علماً أن ظروفها المادية لا تزال محتفظة بقوتها.
-من اللافت أن يعود نصان لفترتي الثمانينات والتسعينيات.
عملان مهمان يعرضان في هذا السياق وجديران بالمتابعة. تلك المرحلة من تاريخنا المعاصر لها انعكاسها على ما أصاب البلد والأمة من وراء سوء إدارتها على مستويات عدة. هذه وظيفة من وظائف الدراما بشكل أساسي على ما أعتقد.
-نجوم الصف الأول لا يزالون عنصراً أساسياً في التحكم بالعملية الإنتاجية. فهي وإن كانت مسجونة، فقيرة، مريضة، مشردة، هاربة، منهارة، فستبقى بأحدث تسريحات شعر، وبأسنان هوليوود، وأفضل ملابس وأغلى ساعات معصم. وبالطبع لا حسد ولا شماتة.
-التوجه لإنتاج أعمال تقدم الرموز الصوفية ونهجها باعتبارها إسلاماً بديلاً عن ذلك الذي شاهدنا نماذجه في حربنا، وعلى مستوى العالم توجه محمود، لكنه يجب أن يكون جزءاً من توجه شامل، أو على الأقل فلنقدر تلك الشخصيات في أعمال محترمة لا تبخسها حقها، إلا إذا كان الهدف هو الشعبوية على طريقتي الدراما التركية والمكسيكية، فحينها يفهم العذر من دون أن يحترم.