ثقافة وفن

«أزهار الأقحوان» قصص من الأدب الروسي المعاصر … هزوان الوز يترجم نصوصاً من عباءة السوفييت وأخرى بهموم الإنسان الروسي ورهافته

| سارة سلامة

ضمن «المشروع الوطني للترجمة» يطلق الدكتور هزوان الوز كتاباً يضم نصوصاً قصصية بعنوان (أزهار الأقحوان. قصص من الأدب الروسي المعاصر)، من ترجمته وتأليف مجموعة من المؤلفين الروس، الكتاب الذي صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب في238 صفحة من القطع المتوسط. يتضمن ثماني قصص منها (أم بالتبني-أزهار الأقحوان- طرفة عادية – أنت قادر- الفكر غير ممكن). ليضيء لنا عوالم إنسانية روسية المرجع والدلالة، وهي على المستوى الأول صور عالية الدقة أو تكاد تكون كذلك عن المجتمع الروسي في السنوات الأخيرة من القرن الفائت. ومن هذا القرن، وهي على المستوى الثاني تعني هذا المجتمع كما خرج من عباءة الاتحاد السوفييتي وكما هو في راهنه، وعلى نحو دال على تعبير هذه النصوص عن بشر يزدحمون برهافتهم الإنسانية العميقة مهما يكن من أمر لكونهم ينتمون إلى عالم مغاير للقيم التي نشأت عليها المجتمعات العربية.

وإذا كان ثمة ما يمكن قوله أخيراً فهو ما تقوله هذه النصوص نفسها، وما يمكن أن يقدم معرفة عن تطور الكتابة القصصية في روسيا وعن تحولاتها ومغامراتها بآن، وهو ما تطمح إليه هذه الترجمات لها، أعني أن تضيء جانبين: اجتماعياً وفنياً.
ويبين الدكتور الوز أنه «وبحسب مقدمة الكتاب، الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، ولاسيما بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأميركية التي دأبت مؤسساتها المختلفة، وفق الكتاب نفسه، على تشويه الكتابة الشرقية في مجمل مجالات الحياة الوطنية، بما في ذلك الأدب والسينما والتلفزيون والأحداث الرياضية وسباق القضاء. ما يزيد على نصف قرن والحال كما سبق من القول، وكما كابدت الثقافة المنافحة عن قيم العدالة الاجتماعية، ولاسيما التي أبدعها أدباء روسيا وكتابها الذين اتسم إبداعهم بالانحياز إلى الإنسان المستغرق في ضآلته الطبقية، وبتركيز الرواد منهم على المغزى والهدف والقصد والدلالة، كما اتسم بطابعه الفلسفي وبقدرته على إشراك القارئ في تفكير عميق وشخصي بحثاً عن أجوبة للأسئلة الأكثر ضراوة في الحياة».

«أم التبني»
وتقول القصة للمؤلف ألكسندر ميليخوف أن: «أهالي الأطفال المتخلفين عقلياً، ولاسيما أمهاتهم، عادة ما يبدون في مظهر يشي بأنهم يعانون متاعب ليست بالقليلة، بيد أن هذه السيدة كانت تجسد الأناقة ذاتها.
هل يزعجك جلوسي هنا؟

قالت هذا وجلست قربي برشاقة عصفورة تكاد تستعد لترفرف بجناحيها وتطير من جديد.
كانت التقت أمير أحلامها بعد أن أدمنت النظر إلى الحب بوصفه خرافة جميلة، وعندما كان صديقها يرتدي سرواله الداخلي بعد لقاءاتهما النادرة والمتعجلة كان يبدو لها بصورة فارس في سلاح الخيالة يرتدي بنطاله المصنوع من جلد الأيل، وبصورة صبيّ صغير يرتدي ثيابه الداخلية.
أما رأسه المتصحّر، فكانت تراه هالة من النور والقداسة، يتحدث بحنان غير متناه عن ابنه المتخلف عقلياً، القابع في البيت طوال الوقت تحت إشراف جدته لم تحتمل أمه العيش مع طفل بائس، أما أبوه فقد احتمل.
وهي ما انفكت تحلم بأن تثبت له أنها ليست حقيرة كزوجته السابقة، وأنها جديرة بأن تصبح شريكة حياة أنبل رجل في العالم، بيد أن لقب التدليل الذي كافأها به بدا لها غريباً بعض الشيء: «سليحفاتي»، فهي تتصور نفسها أشبه بالعصفورة.
ولكن عندما جمعهما في نهاية المطاف بيت واحد تبين لها أن المسيطر الوحيد هنا بلا منازع هو سيريوجا. لم يعد بمقدورهما الجلوس وحدهما إلى المائدة لشرب الشاي، إذ لا بد من إجلاس سيريوجا قبالتها لئلا يغضب، مع أن مثل هذه التفاصيل الدقيقة من الواضح أنها تفوق مستوى إدراكه، وكانت تضطر إلى أن تبقي نظرها مثبتاً على فنجانها كي لا ترى كيف يخرج من فمه الطعام الذي لم يكتمل مضغه، وكيف يستخرج له أبوه الحنون بسبابته الطعام الممضوغ من فمه. وتبين لها أن لقب «السليحفاة» قد صيغ لإطلاقه على سيريوجا البطيء في سيره.

حلية أيقونة الجدة
وفي قصة المؤلفة مارينا فيشنيفيتسكايا تبين أن: «من محاسن كاتيا أنها لا تقيم هنا سوى أربعة أيام من أصل سبعة، وتدفع أجرة السكن في الموعد المحدد، ولا تستقبل ضيوفاً، ولا تعد طعاماً، ولا تتدخل في أحاديث الآخرين، ولا تطعم القطة مما على المائدة. ولكن لو سألوا ليديا بوريسوفنا إذا كانت هذه المستأجرة تضايقها كثيراً لبدأت من أن كاتيا هذه لا تطعم القطة من أكلها على الإطلاق، مهما ألحت عليها القطة بالطلب، وأنها لا تستقبل أحداً من البشر، ولو طفلها الصغير، فهي لا تجلبه معها من مدينتها الأصلية «كالوغا»، ولا يمكنك أن تنتزع منها كلمة طيبة واحدة، بل أي كلمة، طيبة كانت أم شريرة، وها قد انقضى شهر والقطة غائبة، لأن الربيع قد حلّ، وكاتيا كانت قد اشترت لنفسها «ميكروويف»، ولما دخلت لم تغلق باب الشقة، بل أدخلت الميكروويف في علبته إلى المطبخ مباشرة، لأنها أرادت أن تخرجه هناك من العلبة، والقطة في آذار لا يبقى في رأسها عقل، وهي أصلاً وفي أحسن الأوقات عقلها أصغر من منقار العصفور.
الاثنتان كانتا تعيشان في شقة لا تتعدى مساحتها الإجمالية تسعة وعشرين متراً مربعاً، وتشعران بضيق المكان، وكأنهما تعيشان خلف سياج عالٍ يفصل بينهما. وكانت عينا كاتيا إما تنظران إلى الأرض وإما إلى السقف، ومن أذنيها تتدلى سماعتان معلقتان كأنهما طبيتان.
وعندما اقترب الصيف جلبت ستارة طبية، يبدو أنها مستعملة، ربما عثرت عليها في مكب للنفايات، وأصبحت حين تأتي إلى الشقة تنصب الستارة الطبية، فتجتاح ليديا بوريسوفنا بسبب ذلك نوبة من الكآبة الشديدة التي تتحول ليلاً إلى ما يشبه حالة الاحتضار. وقد استيقظت مرة فظنت أنها موجودة في غرفة الإنعاش، وأن النوبة قد أصابتها في المساء، وذاكرتها تعطلت، زعقت وتخبطت فأوقعت الكومودينا حيث توجد الأدوية، وكأساً مملوءة بالماء، تدحرجت قوارير الأدوية على الأرض، وتحطمت الكأس على حين كاتيا لم تحس بشيء، إذ إنها تضع في أذنيها ليلاً سدادتين ولكن أي محاسن لكاتيا أيضاً: إنها لا تتكلم إلا من هاتفها الخاص، ولا تستهلك تقريباً طاقة كهربائية، لأنها تأتي إلى الشقة في ساعة متأخرة، وتغادر عند انبلاج الفجر. بيد أنك إذا كنت تعيش مع شخص لا تعلق عليه أي أمل: فكاتيا هذه لا تشتري لك دواء، ولا تجلب لك رغيف خبز، فهل يمكن أن يكون لهذا الشخص أي محاسن من حيث المبدأ؟!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن