أعترف وقد قضيت ثماني سنوات كمتابع لمسلسل «لعبة العروش» الشهير، بأن العمل الذي شكل خرقاً لكل قواعد العمل الدرامي التقليدية ودفعاً جريئاً لطرق التفكير التلفزيوني، لم يستطع استكمال دائرة كماله تلك، فسقط السقطة المدوية في حلقاته الأخيرة، وذلك بعد أن كان بدأ التدحرج الهادئ منذ الموسم السابق.
أسباب السقوط يناقشها النقاد الغربيون، لأن هذه الظاهرة الإنتاجية هي سابقة في التاريخ، والعمل الناتج عنها هو إنجاز تاريخي.
وربما من سبل طرق أبواب الفشل الأخير، العودة للقاء الذي جمع الكاتبين الشابين دافيد بنيوف ودانييل ويس، مع مؤسس السلسلة العبقري جورج آر مارتن، بعد أن قال لا تلو الأخرى لمنتجي هوليوود الذين رغبوا في محاكاة أرباح سلسلة «ملك الخواتم» بعمل لمارتن.
جاءه الشابان باقتراح مسلسل تلفزيوني موسمي، وعرضوا عليه تحليلهم الدرامي لكتبه، وحين سألهما عن كيف يعتقدان ستنتهي أحداث العمل، قدما رؤيتهما، فما كان من الرجل إلا أن ابتسم، ودون أن يرضي فضولهما القصصي وافق على اقتراحهما.
لكن النهاية التي وعد بكونها «حلوة مرة» لم تكن تماماً تلك التي توقعها الجمهور، بل إنه ابتعد عنها لاحقاً في تصريحات بعد نهاية الموسم، بالقول إنه كان يعتقد بأن العمل يحتمل مواسم إضافية قبل النهاية الحتمية.
المهم في هذا السياق، أن مارتن ترك الحرية للكاتبين في تسيير الأحداث نحو وجهة معينة، في الموسمين الأخيرين، ودون أن يرفد موسمهما التلفزيوني كما جرى سابقاً بكتاب من ألف صفحة يسرد الجانب الروائي من الأحداث وفق رؤيته.
تغريد الشابين المنفرد، قاد لكوارث وفقاً للنقاد، والذي يتفق معهم الكثير من المشاهدين، الذين لاحظوا في الموسمين الأخيرين انتصار هوليوود، كسياق تفكير على البعد الفكري والدرامي الذي عمل الكاتب على حمايته، فسحر لعبة العروش رغم أجوائها الخيالية هو في محاكاتها القاسية للواقع، ولاسيما حين يجسد البشر في ذروة بؤسهم ومكرهم، أطماعهم، ثورتهم، ومحنهم الشخصية.
يعترف كثيرون أن العمل أزاح تماماً القواعد القديمة في تجسيد الأشرار والأخيار في سياق مغامرات الصراع بين طالب حق ومتمنع عن إعطائه، بين شرير داهية ومحق شجاع نبيل.
قتل العمل أبطاله، وارتكب المجازر بالمدن والقرى، وهدم بنياناً قصصياً لينسج منه آخر يمكن ملاحقته بذات الشغف والإعجاب، معرياً الشخوص، ومبرزاً دوافعها ومانحا إياها كل الحرية التي تسمح بها قوتها الداخلية أو الخارجية.
من جهتهما، قام الكاتبان الشابان بنقل العمل لمرحلة ما قبل ظهوره على مستوى المعالجة، فنقلوا الشخصيات من مزاج نفسي لآخر دون مبررات حقيقية، ودون تقديم، كان الكاتب يمهد له بموسم كامل، وقتلوا لغاية إرضاء الشاشة لا النقاد، الجهة الإنتاجية لا الغريزة الدرامية، واشتغلا كثيراً وببراعة دون شك، على تركيب المشهد وصناعة صورة تبقى في الأذهان مدة طويلة، ولكن دون أن يكون لهذه الصور ما يحملها في بنية القصة، واختارا أن يفضلا تسويق عنصر التشويق على حساب البناء القصصي، ومنطق الشخصيات، على رغم من دفاعهما بعد كل حلقة عن خياراتهما.
والنتيجة أن ممثلاً هاماً في العمل علق بعد قراءته سيناريو الحلقة الأخيرة أنه اعتقد النص تمويها لتغطية النص الأصلي، خوفاً من تسريبه، وأنه ظنه «مجرد نكتة»، ليتبين أنه كان بالفعل التتويج غير الموفق والنهائي للسلسلة.