ثقافة وفن

بين التذوق والنكهة تأتي (شوكولا) … علاء زريفة… مشاعر تلامس أعماقنا بصورها ومعانيها وصورتها

| سوسن صيداوي

في الطعم والنكهة يكون التأثير كالشوكولا، هكذا أحب الشاعر أن يكون وقع كلماته وعذب شعوره، ذائبا مستساغا، عميقا وساحرا كتأثير قطعة الشوكولا الذائبة على اللسان، صور فيها من التناقض الكثير، فبين الحرب والسلم يركن القلب بدقاته وأنّاته، وبين الدمار والخراب يضيء قمر دمشق الفضي اللون، كاسحا العتمات، مزينا الجنبات بحب الحياة مع ضرورتها على الاستمرار، في سبعة وعشرين نصا، تتجلى صورها حداثية، رقيقة، يجسدها لتعبّر عن أفكار وهموم ومبادئ فيها خلاصة حكمة الوجع، صبر الآلام، عمق الجراح، تأتي كلها مختلطة ومتناقضة في(شوكولا) للشاعر علاء زريفة الذي جاء في 120 صفحة من القطع المتوسط، صادر عن دار دلمون الجديدة، وهو الديوان الثاني للشاعر زريفة بعد ديوانه الأول «المسيح الصغير» الصادر عن دار الدراويش في بلغاريا، ومجموعة مشتركة عن مؤسسة تجديد العراقية بعنوان «أنطولوجيا السرد التعبيري».
من الـ (شوكولا) نختار لكم بعضا من المقتطفات:

القمر… دمشقيّ
مساحات من نبل المشاعر، تلامس أعماقنا عبر صور ومعان راسخة كثوابتنا كما هو الحال في (قمرٌ دمشقيٌ) حيث يقول زريفة:
أنا هنا فوقك
قمراً دمشقياً يرسل الفضة عبر نافذتك
لترتدي حُلُمك
تهدهد عند وسادة نومك
حين تحيك الشمس….
شكلَ رؤاك الجديدة
وتقول لك: كن أنا
كن كل شيء
كن حارسا للريح
وتعشق ليل أغنيتي الأخيرة
توسّد فراغي فراشة بيضاء
ليذوب حبر النهار في كلينا
ضعني خيطا في نسج عينيك
كن حبيبي
كن باذرا للغيم
واحقن سماء وجهي
سحبا من غبارك
ارفعني إليك..
حمام ضوء من مقلتيك
لا تنطفئ..
كن نجمتي
كن واهبا للندى
عزف صبح منفرد
واختصرني عشبة على حجر
ثم انكسر كحرف
حين ترتجف شفتي بك
كن صوتي
قطعة… من لوح شوكولا
(لوح شوكولا) جاء في هذه القطعة توصيف لسان الرجل عندما ينطق بلسان حال المرأة، فمن خلالها يبوح لنا شاعرنا بما تفكر فيه وبما تشعر، وكيف تغلق الأبواب وتقفل قلبها بمفاتيح ترفض بها العودة، ربما أراد علاء زريفة هنا أن يشير إلى لذة الحب ولوعة الفراق وما تضيفه للحياة من لذة عبر نضوج الشعور وتجاوز الحالة، حيث يقول:
خذ نفسك مني..
ابحث لك عمّن تحمل يديك
ليل مدينة أخرى
هلا حرّكت إصبعك الصغيرة عن جفوني
اقتلعت طعم الشوكولا المؤذية فمي
كسرت كرسي الكستناء انتظار شتاءاتي
نسيت حنان حريرك
وأنت تضيء كحلي
هلا انتزعت صورة جمعتنا معا عن جدران ذاكرتي
هلا خرجت الآن..
أريد أن أغيّر ملابسي
أرتدي جسداً لم تشاركني إيّاه
هلا وقفت قليلاً..
حتى أمسح أنفاسك عن زجاج نافذتي
هلا انسكبت..
لأخنق عنق الحقيقة على لسان عقلي
هلا انحنيت..
لأغلق باب قلبي.. خلفك
أنا لا أحبك فارحل
حتى لا تصير مني
فاسحب نصفك المنعكس على جسد مرآتي
وقل:عمت مساءً
أنا بخير وأنت
في.. المهرّج
في هذا النص كما غيره، تأتي الصور مبتكرة، سلسة، تشير إلى السالب والموجب، الأبيض والأسود في معاني. نقدم لكم جزءا منها:
تحت مظلة سماوية، مسرح معدّ لتبادل اليقين
الحضور المستسلمون لإغواء الحركة الاستهلالية لشخوص أجّرت شفافها لذاكرة متعجّلة
الخوف الضاحك يستر هبوط النفس أمام صعود نبات القدر الطفيلي.
هنا تعربش يدٌ، هناك تتراخى قدمٌ على إسفلت الطريق
يغيّر رجل الأحلام جلده، يرتدي ما يليق بخيبة هؤلاء الذين يسخرون من أنفه الأحمر، ووجهه المطرّز بحبوب القيح النسائي، ويتساءلون:
من أين يأتي بكلّ هذا الفرح…؟
ثم يحضرون مناديلهم الورقية، ويكتفون بالصمت أمام رثاء روحه وهي تنازع موتها باسمة، وحزينة
يجهشون شيئاً بالبكاء، يخبرون صغارهم أن حفلة السيرك أقفلت على شهيد آخر يرقص مع «سعادين» جنونه منفرداً، ويومض بحركات البهلوان نافذة الغريب عن ذاته، وذاتها
يرقص لينجو، وينجو ليتلاشى

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن