ثقافة وفن

السهل الممتنع

| د. اسكندر لوقــا

كثيرون من الناس يعتقدون أن ما لا يُفهم من الرأي المقروء أو المسموع أو حتى المشاهد تتجلى أهميته في غموضه. من هنا كثيراً ما يُهمل القارئ أو السامع أو المشاهد أثرا لمن يمارس هذا المنحى في الكتابة وذلك لما يفصله عنه من مسافات مرئية أو غير مرئية ويبقى الغموض المقصود سيد الموقف.
والغريب في هذه المسألة أن البعض من الكتاب يزدادون تمسكاً بطريقة استخدام الرمز عمداً في سياق مخاطبتهم القارئ تحديداً كلما تعرضوا للنقد وزادت المسافات بينهم وبين القارئ. وحين يسأل أحدهم لماذا يستخدم هذا الأسلوب في كتاباته غالباً ما يجيب لأنه سابق لزمانه وبالتالي من الطبيعي أن يكون القارئ – وتحديداً عندما لا يكون مثقفا كفاية – غريباً عنه بوصفه متخلفاً ولم يبلغ سن الوعي بعد!
وينسى هؤلاء، والأصح أنهم يتناسون أن ثمة معادلة متداولة في تاريخ الأدب، منذ قديم الزمن، تقول بالسهل الممتنع لا بالسهل الخارج عن مفهوم البساطة، ولهذه الاعتبار يكون الأثر الأدبي الأقرب إلى عقل القارئ كلما كان مقاربا للبساطة لا الغموض لمجرد أن يكتسب الكاتب صفة السابق لأوانه، وكأنه يخاطب قراء من الزمن الآتي البعيد فيما بعد. وبذلك يدفع الكاتب والقارئ معا ثمن ضياع فرصة الوصول إلى الآخر، كما يصاب النتاج الأدبي بخسارة قد لا تعوض.
وفي زماننا الراهن، ثمة مسلمات يجب ألا يتخطاها الكاتب، سواء كان القارئ وجهته أم المستمع أو المشاهد، وفي مقدمها الوضوح لأن الحقيقة لا تحتاج إلى إضافة حين تكون واضحة، وأكثرها وضوحا هي أكثرها بساطة من حيث المبدأ. ومن هنا يبقى أو لا يبقى للأثر المقروء أو المسموع أو المشاهد حضوره الدائم في الذاكرة الشعبية. وثمة عيّنات لا تعد ولا تحصى عن آثار أدبية كانت وستبقى خالدة لأنها حاكت الحقائق ولم تكن وليدة خيال أو نتاج من يهدف إلى الإبهار فقط بل كانت تصويراً للواقع الذي أوحى لصاحبه بالفكرة القابلة للبقاء في الذاكرة إلى أمد غير محدود.
من هنا كان القول بالواقعية، وكان سبب بقاء الأعمال الأدبية الواقعية حتى يومنا هذا يحكي قدرة أصحابها على التعايش مع الحدث الذي يوحي للكاتب بالفكرة القابلة على تخطي زمانها وتبقى أثراً لا يفقد حضوره بين الناس، تبقى حاضراً ومستقبلاً بين شواهد أخرى على أهمية البساطة في الكتابة، وذلك على غرار معادلة السهل الممتنع في الكتابة، المعادلة التي تكمن قيمتها، على الساحة الأدبية، في وضوحها لا في غموضها بحثاً عن شهرة زائفة على سبيل المثال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن