من دفتر الوطن

رقابة.. على الرقابة!

| فرنسا ـ فراس عزيز ديب

التلفاز يدخُل كلّ بيتٍ
عبارةٌ لا يجب المرورَ عليها مرورَ الكِرام، تحديداً في مجتمعٍ كمجتمعِنا تتراجعُ فيهِ إلى معدّلاتٍ خطيرةٍ درجةَ الاهتمامِ بالكِتاب، تراجعٌ في النهاية لهُ أسبابهُ المنطقية فالمواطنَ اللاهِثَ وراءَ لقمةِ عيشهِ لن يجدَ وقتاً ليقرأ، قد يجد وقتاً ليُتابع برنامجاً سياسياً أو مسلسلاً تلفزيونياً لأنها ببساطةٍ أشياء لا تتطلب منهُ التركيز، على هذا الأساس يصبح التلفاز أكثر من وسيلة للتسليةِ أو تلقي المعلومة إلى مشاركٍ بتوجيهِ السلوك العام للجمهور بما فيهِ وجهةَ نظرهم الشخصية تجاهَ ما يدور من حولهم.
التلفاز يدخُل كلّ بيتٍ.
عبارةٌ لا يجب المرورَ عليها مرورَ الكِرام، تحديداً عندما تَتحول الدراما إلى سلاحٍ حوربنا بهِ يوماً برأس المال النفطي عندما جعلَ من مجتَمعنا بيئةً للموبقاتِ وبأيدٍ سورية، واليوم يبدو أننا سنُعيد السقوط في متاهاتِ الضياع إن لم نحسن التعاطي مع خطرِ خروج هذا السلاح من أيدينا ببُعدين أساسيين:
البعد الأول مرتبطٌ بالتوثيق، فالحرب على سورية تركَت لنا مادةً دسمةً للتعاطي مع الشأن السوري إن كان من جهةِ توثيق البطولات ودور الوحدة الوطنية في حماية الوطن، أو من جهةِ التعاطي بموضوعيةٍ مع المشاكِل التي يعاني منها المجتمع السوري، أما إذا تركنا الساحةَ لمن يتعاطى معها بكيديةٍ فإننا بذلك نلعب بالنار.
بالتأكيد قد نتفهم أن القطاعَ الخاص المُنتج للدراما لا يستطيع أن يُغامرَ كثيراً لأنه ملتزمٌ بميزانِ الربح والخسارة وسطَ عزوفٍ للمحطات العربية عن شراءِ مسلسلاتٍ كهذه، لكن بالنهاية يجب على الدولة أن تتحملَ مسؤولياتها إن كان لجهةِ السعي وراءَ النصوصِ الدرامية التي تعيد لملمةَ الجراح ووضع فكرة هامش الربح والخسارة جانباً، فالحربَ لن تدوم وهذه الأعمال الدرامية ستزدَهر سوقها يوماً ما لكنها الآن تبدو كحاجةٍ لملئِ الفراغ، وهو أمر لا يحيد عن فرضيةِ إن لإعادة الإعمار الكثيرَ من الفروعِ وليست فقط ببناءِ الحجر.
كذلك الأمر فإن هناك مسؤوليةً تقعُ على عاتقِ كوادرَ الإنتاج الدرامي بشكلٍ عام من فنانين وكُتَّاب وغيرهم، باعتبار أن الانخراط في معركةِ الوطن لا يكون بالشعارات أو بمطالبَ مالية كبيرة، لا نتكلم هنا بطوباويةٍ بل عن جهودٍ أن تضافرت فهي قادرة أن تصنعَ أشياء بعيداً عن الكوميديا والاقتباس.
البعد الثاني دور الرقابة، وهنا نتحدث عن تلكَ الأعمال الدرامية التي تأخذِ صفةَ «عملٍ سوري».
في الكثيرِ من الأحيان يبدو الدور الرقابي المنضبط على النصوص الدرامية مطلوباً، تحديداً أننا في النهايةِ لا ننتمي لذاكَ المجتمع المنفتح على التعاطي الساخِر أو الناقد بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة للعادات والتقاليد وحتى العقائد، أساساً فكرة انتهاك مقدسات الآخرين هي فكرة ساقطة ولا تعني بأي حالٍ من الأحوال نوعاً من حرية التعبير، لكن عندما يكون هناك أخطاء كارثية على مستوى عملِ من يُفترض أنهم يمارسونَ هذه الرقابة من حقنا أن نتساءل كمن تلقى أربعين صفعة على غفلة:
هل نحتاج لرقابةٍ على الرقابة؟
إنّ النص الدرامي ليس مجردَ حوارٍ، فهناك وصفٌ للشخصيات، ماهيتها وظيفتها، والعوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر بها كالمهنة، كذلك الأمر هناكَ سير ذاتية لأصحاب النصوص دون إغفال فرضية أن حضن الوطن واسع لكن ليسَ لمن يتهم الجيش العربي السوري بارتكابِ المجازر، أو يتهم القيادة السورية ببيعِ الجولان!
في الخلاصة: هناك حلقة مفرغة تكاد تكون غير مفهومة إن كان لجهة اقتتار القطاع العام في إنجاز الأعمال التي تمجدُ البطولات، أو لجهة إصدار بياناتٍ تائهة بحاجة لبيانات لكي تتضح، والنتيجة ماثلة أمامنا، أبطالٌ من ورق يحاضرون بالشجاعة فمن المسؤول؟
التلفاز يدخُل كلّ بيتٍ.. لا تقرؤوا هذه العبارة وتمروا عليها مرور الكرام

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن