قضايا وآراء

العقوبات الترامبية على إيران تواجه بدبلوماسية وبالحزم الإستراتيجي

| د. قحطان السيوفي

دخلت العقوبات الأميركية على إيران مرحلة أكثر خطورة، لتضع كل العالم تحت نير العقوبات إذا تعامل مع طهران نفطياً. حصار مُطبق أعلنته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتنتقل واشنطن مع إلغاء إعفاءاتها على العقوبات إلى ملاحقة من لا يتقيد بها.
القرار التصعيدي يحظى بمشاركة عربية، سعودية وإماراتية، مباشرة وترحيب إسرائيلي كبير بالمقابل تؤكد بكين رفضه. إدارة ترامب تعيد العقوبات في تشرين الثاني 2018، و«تصفير النفط»، هدف وضعته واشنطن لسياسة «العقوبات القصوى»، وتمنح ثماني دول في العالم إعفاءات من العقوبات على استيراد النفط من طهران. القرار ينذر بجعل المواجهة الأميركية ــ الإيرانية أكثر حماوة، على حين تبدو إيران غير مستعدة لتقديم تنازلات، ويؤكد المسؤولون الإيرانيون أنهم في حال منع نفطهم من التصدير، سيتخذون إجراءات هجومية كإغلاق مضيق هرمز. طهران التي خبرت الحصار تثق بعدم نجاح الأميركيين في «تصفير» تصدير النفط، وتملك أوراقاً أخرى. إدارة ترامب تعمل لإلغاء جميع الإعفاءات الاستثناءات الممنوحة للدول الثماني أي للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان.
وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو قال: «سنصل إلى الصفر مع الجميع، لن تكون هناك إعفاءات». وهدد بومبيو دول العالم بالقول: «في حال لم تتقيّدوا فستكون هناك عقوبات». وأضاف: «نحن اليوم لدينا شراكة مع دول الخليج وإسرائيل تعمل على هذا الهدف» إدارة ترامب تتوقع توقيف تصدير النفط بشكل كامل، وهو ما يمثّل 40 بالمئة من دخل رابع منتج للنفط في العالم. وأعلن بومبيو تأكيد التعاون مع السعودية والإمارات لتعويض الأسواق بما تحتاج إليه من النفط، كاشفاً عن وجود «التزام» من الرياض تجاه واشنطن في هذا الشأن.
إيرانياً، أكد مصدر في وزارة النفط أن الولايات المتحدة لن تنجح في وقف الصادرات النفطية دولياً، عبّرت الصين عن معارضتها للقرار الأميركي وتمسّكها بالتعاون مع إيران الذي «يتّسق مع القانون»، ومن المتوقع أن تتمسك كلّ من بغداد وأنقرة وبكين برفض القرار الأميركي.
وفي سياق المحاولات الأميركية المتصاعدة لتشديد الحصار الاقتصادي على كلّ من إيران وسورية، يعمل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية «OFAC»، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، على إصدار تحذيرات متعاقبة، كان آخرها في 25 آذار 2019، من المشاركة في عبور شحنات النفط إلى الموانئ السورية، أو تسهيل العمليات المالية أو اللوجستية لتلك العملية. التحذير يخاطب شركات الشحن ومالكي السفن ومديريها ومشغليها وشركات التأمين والمؤسسات المالية.
رحّبت إسرائيل على لسان كبار مسؤوليها بقرار ترامب، واعتبرته جزءا من الإستراتيجية الأمثل والأكثر جدوى لمواجهة إيران، ولم يكن الترحيب الإسرائيلي بالقرار الأميركي تشديد العقوبات على إيران ومنعها من تصدير نفطها مجرّد موقف تقليدي، بل تجسيد لطموح سعت إليه القيادة السياسية في تل أبيب، وقد وصف رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو القرار بأنه «ذو أهمية بالغة لزيادة الضغط على النظام الإيراني» وثمة محلّلون يرون أن نتنياهو وطاقمه الخاص قد يكونا أسهما مباشرةً في بلورة قرارات العقوبات الأميركية على طهران. الواقع أن الكيان الإسرائيلي الذي اعتاد أن يؤدي دور الوكيل التنفيذي للهيمنة الأميركية على المنطقة، بات أعجز عن أداء دور المقاول الناجح، بفعل التغيرات على معادلات الصراع. لذلك، قلبت واشنطن الأدوار، فدخلت مباشرة على خط الصراع بهدف حماية إسرائيل، واحتواء مفاعيل وتداعيات الانتصارات التي حققها محور المقاومة. وتدرك تل أبيب أن فرض العقوبات على إيران وسائر أطراف محور المقاومة، شيء، وخضوع هذه الأطراف شيء آخر. والمسافة بينهما محفوفة بالكثير من التطورات.
رئيس «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي»، رأى أن الإيرانيين تصرّفوا حتى الآن «بصبر إستراتيجي وأملوا تغيير الإدارة في واشنطن، لكن الكرة ستعود إلى الملعب الإسرائيلي والأميركي» وفي المقابل، لا يوجد مؤشر على أن ترامب يريد شنّ هجوم على إيران. وهو لا يتطلع إلى خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط وخاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأميركية العام المقبل. أما صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فأشارت إلى «الكابوس السياسي» لدى مسؤولين إسرائيليين أبدوا تخوّفهم من تحوّل القضية الإيرانية إلى موضوع مركزي في انتخابات الرئاسة الأميركية. وأشارت «هآرتس» إلى أن ستة مرشحين ديمقراطيين أعلنوا، أنه في حال انتخابهم لمنصب الرئيس الأميركي فإنهم سيعيدون التوقيع على الاتفاق النووي. منذ إعلان واشنطن إلغاء الاستثناءات لثماني دول من عقوباتها على النفط الإيراني، ولا تزال التصريحات الرسمية الإيرانية تؤكد أمرين: الأول إدانة القرار «غير القانوني» والتقليل من شأنه لكونه «يظهر عجز» الإدارة الأميركية، ورأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن «زيادة الإرهاب الاقتصادي ضد إيران يظهر عجز الولايات المتحدة ويأسها، والعجز المزمن لشركائها وأتباعها في المنطقة». الصين التي تستورد أكثر من 585 ألف برميل نفط يومياً من إيران، أعلنت وزارة خارجيتها أنها خاطبت رسمياً الولايات المتحدة. وإن بكين تعارض بحزم فرض واشنطن عقوبات أحادية الجانب، محذرة من أن القرار الأميركي «سيسهم في عدم الاستقرار بالشرق الأوسط وفي سوق الطاقة العالمية». وأكد المتحدث باسم الخارجية الصينية أن التعاون «الطبيعي» للصين ودول أخرى في مجال الطاقة مع إيران، في إطار القانون الدولي، هو تعاون مشروع ومعقول ويجب احترامه، مشدداً على رفض الضغوط الأميركية. وبدورها المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية قالت: «نشعر بالحزن تجاه القرار الأميركي» وإن «الاتحاد سيواصل التزام الاتفاق ما دامت إيران تتحمّل مسؤولياتها». وبينما تواصل الولايات المتحدة الضغط على إيران، لدفعها إلى طاولة المفاوضات، شكّك المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي في دعوة التفاوض الحالية، ورأى أن إستراتيجية الأميركيين «هي ممارسة الضغط بهدف إرهاق الطرف المقابل».
خامنئي عزا الموقف الرافض للتفاوض إلى سببين: أوّلاً «عدم وجود فائدة منه»، والثاني «الضرر الذي ينتج منه»، لكنه أبدى عدم ممانعته بشكل مطلق التفاوض كالمفاوضات مع الأوروبيين وغيرهم، بشرط ألا يكون موضوعها ثوابت الثورة مثل القدرة الدفاعية وأكد خامنئي أن بلاده «لا تسعى إلى حيازة أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، سواء النووية أم الكيميائية، من منطلق مبادئنا، إذ نعتبره حراماً من الناحية الفقهية والشرعية». ترامب لن يشن حرباً عسكرية على إيران لأن إيران دولة قوية وترامب يدرك أن الحرب ستكلفه خسائر مالية وبشرية كبيرة، وستؤثر سلباً في مستقبله السياسي، كما أنه يرغب في الاستمرار بالابتزاز المالي لحلفائه الضعفاء من دول الخليج وستستمر إيران بمواجهة عقوبات ترامب بإستراتيجية التحلي بالصبر والحذر وأقصى قدر من التأهب الدفاعي وبالمزيد من دبلوماسية الحزم الإستراتيجي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن