لؤلؤ على الأرصفة!
عصام داري :
وجعنا بحجم الدنيا وأحزاننا تعادل مساحة الكون، وصارت دمعتنا أكبر من مساحة الأجفان، نتحول بين ليلة وضحاها إلى ريشة وسط العواصف والأعاصير، نطير نحو مجهول المجهول، ومن عتمة إلى نور يعمي الأبصار، ومن وهم الحياة إلى حقيقة الموت.
نسير على دروب من تراب وماء، نتحدى الهلاك فيخطف ملاك الموت أرواحنا ويتركها وديعة بين الأرض والسماء.
نغرق في الأسئلة قبل أن يبتلعنا البحر، صار البحر وحشاً يتغذى باللحم الطري، وتتمتع وحوش البشر بجنوننا وفوضانا وامتهاننا الجهل والخرافة، نصبح وجبة سهلة للغيلان والغربان وقطاع الطرق وشذاذ الآفاق ورفاق الظلمة، وتجار الدماء والدمار، وأصحاب القلوب المتحجرة.
ينفرط عقد اللؤلؤ على أرصفة العالم، وتذهب حباته كل واحدة في اتجاه، ربما ضاع بعضها في مجاهل الأمكنة، أو سرقها موج غادر ليصنع منها حكاية موت عابر للقارات، لكنها هربت وفضلت الرحيل إلى آفاق جديدة تعرف قيمة الروح البشرية، وتحسن التعامل مع العصافير والفراشات.
من سيعيد الحبات التي تدحرجت فوق بلدان غريبة بعيدة عن ساحات الأمان، تحمل سيلاً من مفاجآت وأقدار ودروب تؤدي إلى عوالم التيه الأبدي.
من سيستعيد طفولة انتهكت براءتها وسط ليل طويل مظلم ليس له عدّ أو نهار، ولا يعرف إشراقة شمس وسطوع قمر ونغمة ناي حزين؟.
قلت قبل أيام: إننا نتبعثر كعقد لؤلؤ فمن يعيد جمع عقدنا المتناثر على كوكب الأرض المترامي الأطراف؟ من يسترجع اللؤلؤ المنثور قبل أن يحوله الأغراب والأعراب إلى تراب ورماد مسحوق؟.
عقد الجواهر المسافرة في أربع جهات الأرض سيستعيد نفسه من جديد، سينهض كطائر الفينيق ليخرج من رماد إلى نور ليصنع أسطورة جديدة، هي تراكم أساطير التاريخ، بل هي التاريخ، الماضي والحاضر على قسوته وعذاباته، والمستقبل الذي يولد من رحم هذا الحاضر.
لم نعد نستعيد أمجاد الماضي، ولم نعد قادرين على ذلك، لأن الحاضر سرقنا بهمومه ومشاكله حيث نسينا من كنا، ونسينا كيف يمكننا أن نبني على الأسس التي بناها الأجداد.
تعلمنا فقط كيف نهدم ونخرب وننشر الفساد الذي صار طريقة عيش وأسلوب ارتقاء نحو الهاوية، الهاوية التي نتدحرج فيها مع كل يوم يمر من حياتنا التي يغرق قلة في العسل و.. رغد العيش، وتعيش الأكثرية الساحقة على الكفاف.
وجعنا بحجم الدنيا، ليس لأن عقد اللؤلؤ انفرطت حباته على أرصفة العالم فقط، بل لأننا نعيش أوجاعنا وسط قهقهات تلك القلة التي تمتص دماءنا وتضع دماءنا في المصارف العالمية بنكنوتاً وجرار ذهب.
فهل من طبيب يداوي جراحنا، ويخفف أوجاعنا وآلامنا؟ هل من قوة سحرية كما في الأساطير تنقذنا من الزمن الغادر الذي يطحننا بين قطبي الرحى؟.
أعيدوا لنا الصفاء والنقاء وخذوا نصف أعمارنا، أعيدوا طفولتنا ردوا لنا البراءة قبل أن تنتشر سورية في أرض اللـه الواسعة، أغيثونا قبل فوات الأوان وضياع ما هو اليوم برسم قدر لا يرحم، فهل من مغيث من الأرض أو من السماء؟.