قضايا وآراء

الحرب التجارية الأميركية والهزيمة المحتومة

| تحسين الحلبي

بعد سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض أشكال متشددة من أنواع الحصار على عدد من الدول الإقليمية الكبرى نسبياً مثل إيران وكوريا الديمقراطية وبفرض عقوبات متلاحقة على روسيا وإجراءات اقتصادية وضرائبية على الصين، بدأت تتزايد المخاوف من أن تتسبب هذه الحرب التجارية الأميركية بحرب عالمية ثالثة في ساحة الاقتصاد العالمية، وفي تحليل نشره موقع «زيرو هيدج» الأميركي المعارض للحروب الأميركية يكشف الكاتب السياسي تايلر داردين الخميس الماضي أن إدارة ترامب ما تزال مستمرة في تدمير قواعد التجارة والاقتصاد على المستوى الدولي إلى حد أصبح فيه ترامب متحالفاً مع أكبر مصادر التمويل الأميركية للسيطرة على الاقتصاد والتجارة العالميين، وهي مصادر يتحكم فيها عدد من العائلات الأميركية اليهودية التاريخية في تمويل الحروب وجني المزيد من الأرباح المالية منذ قرن تقريباً وفي مقدمتها عائلة روتشيلد، للبنوك، وعائلة غولد مان زاكس التي بلغت أرباحها عام 2018 نحو 37 مليار دولار ويبلغ رأسمالها 933 ملياراً وكان وزير المالية الأميركي ستيف مونشين من الذين عملوا مع شركة بنوك «زاكس» لأكثر من 17 عاماً وأصبح ضابط المعلومات الرئيسي في كل بنوك واستثمارات شركة «زاكس» وهو يعد من أهم المؤثرين في سياسة ترامب المالية والاقتصادية إلى جانب ممثل الولايات المتحدة في التجارة العالمية روبرت لايتهيزر.
ومع المظاهر المتزايدة للتعارض الطارئ على العلاقات الأميركية مع أوروبا، يبدو أن إدارة ترامب ستعقد تحالفاً كبيراً مع بريطانيا في سياستها الاقتصادية العالمية وهذا ما ينتظره ترامب من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتحديداً بعد أن أخذت العولمة الأميركية ونظامها التصعيدي في ساحة التجارة العالمية تلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية الأوروبية، وهذا من شأنه توسيع دائرة الحرب الأميركية التجارية لتشمل أوروبا نفسها، فمن المتوقع بموجب ما يراه خبراء الاقتصاد الأميركيون أن يقوم ترامب بوضع ضرائب باهظة على استيراد السيارات من أوروبا في وقت قريب.
وفي الميدان الآسيوي ازداد النشاط السياسي الأميركي لعقد تحالف تجاري أميركي مع اليابان وكوريا الجنوبية لتوظيفه ضد الصين وروسيا في تلك المنطقة.
بالمقابل يلاحظ الكثيرون في الساحة الدولية أن روسيا والصين تمكنتا من النجاح في عقد تحالفات تجارية ثنائية مع عدد من الدول الأوروبية بما في ذلك ألمانيا التي لن تجد لها في هذا الوضع الدولي حليفا مثل الصين على المستوى التجاري العالمي. وكانت قمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل أيام قد شكلت أهم قاعدة تحالف اقتصادي وتجاري وسياسي وعسكري غير مسبوق بين دولتين كبريين وهي جاءت رداً مباشراً على جبهة الحرب التجارية الأميركية التي تستهدف قدرات روسيا والصين الاقتصادية العالمية وستتحول إلى قاعدة تحشد فيها الدولتان الكبريان المزيد من الحلفاء في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا فالعالم الايرو آسيوي سيتحول بموجب التوقعات الأوروبية إلى أكبر قوة اقتصادية تحافظ على النظام الاقتصادي العالمي واتفاقات التجارة العالمية التي بدأت إدارة ترامب بالعمل على تدميرها للتحكم بالاقتصاد والتجارة العالمية بالقوة والضغوط والحروب.
ويتوقع داردين أن تبلغ مواجهة روسيا والصين وحلفائهما للحرب التجارية الأميركية أوجها بالتلويح الأميركي بحرب نووية وخصوصاً حين تجد واشنطن أثناء خوضها هذه الحرب أنها عاجزة عن وقف تدهور وضعها المهيمن على الاقتصاد والتجارة العالمية، وفي الجبهة المتصدية للحرب التجارية الأميركية لن يكون بمقدور الدولار الأميركي المحافظة على هيمنته وفرض قواعد لعبته التجارية العالمية ونظامها الأميركي العولمي وعند ذلك سيتدخل التوازن النووي القائم بين القوى العظمى النووية بموجب ما يتوقعه داردين برؤيته أن «البديل النووي هو السلاح الذي سينهي بشكل محتم هذه الحرب التجارية الأميركية والهيمنة الأميركية على الاقتصاد حين تتخلى دول كثير عن الدولار كنقد احتياطي عالمي وعند ذلك يغيب أيضا التهديد النووي الأميركي بقوة التوازن العالمي ضد أميركا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن